الثالثة: قوله تعالى: أذلة على المؤمنين ( أذلة) نعت لقوم ، وكذلك ( أعزة) أي: يرأفون بالمؤمنين ويرحمونهم ويلينون لهم; من قولهم: دابة ذلول أي: تنقاد سهلة ، وليس من الذل في شيء ، ويغلظون على الكافرين ويعادونهم. قال ابن عباس: هم للمؤمنين كالوالد للولد والسيد للعبد ، وهم في الغلظة على الكفار كالسبع على فريسته; قال الله تعالى: أشداء على الكفار رحماء بينهم ، ويجوز " أذلة " بالنصب على الحال; أي: يحبهم ويحبونه في هذا الحال ، وقد تقدمت معنى محبة الله تعالى لعباده ومحبتهم له. [ ص: 161] الرابعة: يجاهدون في سبيل الله في موضع الصفة أيضا. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ~ سبحان من أعطى الشيخ أنس الميمان فضل تحبير القرآن والتغني به | صوت خاشع - YouTube. ولا يخافون لومة لائم بخلاف المنافقين يخافون الدوائر; فدل بهذا على تثبيت إمامة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم; لأنهم جاهدوا في الله عز وجل في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقاتلوا المرتدين بعده ، ومعلوم أن من كانت فيه هذه الصفات فهو ولي لله تعالى ، وقيل: الآية عامة في كل من يجاهد الكفار إلى قيام الساعة ، والله أعلم. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ابتداء وخبر ( واسع عليم) أي: واسع الفضل ، عليم بمصالح خلقه.
قوله تعالى: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم قال ابن عباس: حيث ألحق العجم بقريش ؛ يعني الإسلام: فضل الله يؤتيه من يشاء; قاله الكلبي. وقيل: يعني الوحي والنبوة; قاله مقاتل. وقول رابع: إنه المال ينفق في الطاعة; وهو معنى قول أبي صالح. وقد روى مسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العلا والنعيم المقيم. فقال: " وما ذاك ؟ " قالوا: يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون ولا نتصدق ، ويعتقون ولا نعتق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أفلا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم ؟ " قالوا: بلى يا رسول الله. قال: " تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين مرة ". قال أبو صالح: فرجع [ ص: 85] فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وقول خامس: أنه انقياد الناس إلى تصديق النبي صلى الله عليه وسلم ، ودخولهم في دينه ونصرته.
والله أعلم.
المسألة الثانية: استدل جمهور أهل التوحيد بهذه الآية على أنه تعالى عالم بالأشياء قبل وقوعها خلافا لهشام بن الحكم ، ووجه الاستدلال أنه تعالى لما كتبها في الكتاب قبل وقوعها وجاءت مطابقة لذلك الكتاب علمنا أنه تعالى عالما بها بأسرها. المسألة الثالثة: قوله: ( ولا في أنفسكم) يتناول جميع مصائب الأنفس فيدخل فيها كفرهم ومعاصيهم ، فالآية دالة على أن جميع أعمالهم بتفاصيلها مكتوبة في اللوح المحفوظ ، ومثبتة في علم الله تعالى ، فكان الامتناع من تلك الأعمال محالا ؛ لأن علم الله بوجودها مناف لعدمها ، والجمع بين المتنافيين محال ، فلما حصل العلم بوجودها ، وهذا العلم ممتنع الزوال كان الجمع بين عدمها وبين علم الله بوجودها محالا.