مقدّمة حركة القرآن المجيد في النّفس والمجتمع والتّاريخ غاية القرآن المجيد تحريك الضّمير وهزّ العواطف واستفزاز العقل ليتساءل: من ربّ هذا الكون؟ وهل يمكن أن يكون القـرآن كلام بشـر؟ وإذا كان محمّد رسول الله حقّا فما هي الرّسالة التي بعثه الله بها للنّاس؟ وعلى الفور يقوم ألفُ شاهد دليلا على أنّ القرآن كلام الله، وأنّ ما تلاه محمّد على النّاس لا يمكن أن يكون كلام بشر. وأنّ عنوان الرّسالة التي بعثه الله بها تحويل قراءة الكون من الأهواء وعبادة الأصنام إلى القراءة باسم الله توحيدا وعبادة وحركة حياة. فكلّ قارئ للقـرآن يحسّ أنّ وراء كلّ لفظة معان مخبوءة في طيّاته يأخذ بعضها برقاب بعض أخذا بديعا يجعله يعقل من اللّفظ معنى ثم يفضي به إلى معنى آخر، كما يقول الجرجاني في "دلائل الاعجاز: 203″، تشويقا، وتنبيها، وتأثيرًا، وإقامة للحجّة واستفزازًا للفكر وإحالة آية على آية وتفسير قرآن بقرآن حتّى كأنّ ما بين دفّتي المصحف الشّريف سورة واحدة مقسّمة إلى "وحدات إيمانيّة" هي شرْعة الله ومنهاجه للثّقليْن المخلوقيْن لعبادة الله: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذّاريّات: 56). وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون . [ الأعراف: 204]. وهو ما جعل حركة التّفسير تبدأ بالأثـر ثمّ تُدْلف إلى عمق النّص جمْعًا للآثار المسموعة وتأريخًا وفهمًا وتشريعًا وتفصيلا للأحكام، ثم تنحو منحى لغويّا، ثم تغوص في عوالم البلاغة، ثم تصير إلى المتكلّمين (الفلاسفة) ليجادلوا فيها بالرّأي والحجّة، ثم إلى الشّأن الاجتماعي والحركة الاصلاحيّة، ثم إلى التّحرّر والتّجدّد والقراءات المعاصرة على أيدي دعاة المقاصد.
الأحكام: 1- وجوب الاستماع والإنصات عند تلاوة القرآن. 2- استحباب دوام الذكر. 3- يجب إخلاص العبادة لله وحده. 4- ينبغي التأسي بالصالحين.
تفرّعت التّفاسير إلى ما صار يُعرف بعالميّة الخطاب الإسلامي دعوةً إلى فقه واجب الوقت، وفهم الواقع، وتصريف تدابير الشّأن العام، بحسْن تنزيل النّصّ على حركة الحياة في مسمّى "التّفسير الحرَكي" للقرآن الكريم. وهو ما نحاوله في هذا السّفْر المبارك إن شاء الله استناد على خمس حقائق أساسيّة. أولاها: أنّ القرآن وحيٌ متجدّد؛ لا يخلق من كثرة الردّ ولا تنقضي عجائبه بموالاة الدّرْس. فلكلّ جيل عطاؤه فيه وحظّه منه. وثانيها: أنّ الدّين عند الله واحد هو الإسلام، وما عداه فهَوى أنفس وضلالات عقول. وثالثها: أنّ الكون يتجدّد كلّ لحظة ونهايته الزّوال، والثّابت فيه هو ما ثبّته الوحي: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ (الرّحمـن: 26- 27). ورابعها: أنّ فهم السّابقين لا يستشرف متغيّرات اللاّحقين. واذا قرئ القرآن فاستمعو. وفهم عصرنا لا يستوعب قضايا من سيأتي بعدنا. وخامسها: أنّ التّغيير نشاط متحرّك بنا أو بغيرنا؛ فإذا لم نتغيّر بالقرآن ونغيّر به تغيّرنا بغيره. فإما أنْ نغيِّر وإما أنْ نتغيَّر. ليس مع الإسلام دينٌ آخر عند الله -جل جلاله-: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ (آل عمران: 19).
وهذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده عن جابر مرفوعا ، وهو في موطأ مالك عن وهب بن كيسان ، عن جابر موقوفا ، وهذا أصح. وهذه المسألة مبسوطة في غير هذا الموضع وقد أفرد لها الإمام أبو عبد الله البخاري مصنفا على حدة واختار وجوب القراءة خلف الإمام في السرية والجهرية أيضا ، والله أعلم. وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله: ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) يعني: في الصلاة المفروضة. وكذا روي عن عبد الله بن المغفل. وقال ابن جرير: حدثنا حميد بن مسعدة ، حدثنا بشر بن المفضل ، حدثنا الجريري ، عن طلحة بن عبيد الله بن كريز قال: رأيت عبيد بن عمير وعطاء بن أبي رباح يتحدثان ، والقاص يقص ، فقلت: ألا تستمعان إلى الذكر وتستوجبان الموعود ؟ قال: فنظرا إلي ، ثم أقبلا على حديثهما. وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون. قال: فأعدت فنظرا إلي ، وأقبلا على حديثهما. قال: فأعدت الثالثة ، قال: فنظرا إلي فقالا إنما ذلك في الصلاة: ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) وقال سفيان الثوري ، عن أبي هاشم إسماعيل بن كثير ، عن مجاهد في قوله: ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) قال: في الصلاة. وكذا رواه غير واحد عن مجاهد. وقال عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن ليث ، عن مجاهد قال: لا بأس إذا قرأ الرجل في غير الصلاة أن يتكلم.
تلقت دار الإفتاء سؤالا يقول فيه صاحبه: "نجد بعض أصحاب المحلات التجارية يقومون بفتح المذياع على إذاعة القرآن الكريم لساعات طويلة طوال النهار، بل وحتى بعد غلق محلاتهم يتركون المذياع مفتوحًا طوال الليل، وغالبًا ما يكون الصوت مرتفعًا مما يسبب الضرر والأذى لجيرانهم، مع العلم أنهم أثناء ذلك يكونون في لهو ولعب وفرح ولا يستمعون إلى ما قاموا بفتحه وتشغيله، سواء للقرآن أو غيره، بالإضافة أننا لا نعرف لهم صلاة ولا صلاحًا. ويطلب السائل: أولًا: حكم الإسلام في عملهم هذا أو ما يسببه ذلك من أذى وضرر لمن يجاورهم.