وقال الحسن: معنى "فيهن" أي بسببهن ومن جراهن في أن تحلوا حرامها وتبدلوه بما لا حرمة له، وحكى المهدوي أنه قيل: "لا تظلموا فيهن أنفسكم بالقتال". ثم نسخ بفرض القتال في كل زمن، قال سعيد بن المسيب في كتاب الطبري: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرم القتال في الأشهر الحرم بما أنزل الله في ذلك حتى نزلت براءة. اعرب الجملة الاتية:ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا.. قال القاضي أبو محمد رحمه الله: [ ص: 309] وقوله تعالى: وقاتلوا المشركين معناه: فيهن فأحرى في غيرهن، وقوله: كافة معناه: جميعا، وهو مصدر في موضع الحال، قال الطبري: كالعاقبة والعافية، فهو -على هذا- كما تقول: خاصة وعامة، ويظهر أيضا أنه من كف يكف، أي جماعة تكف من عارضها، وكذلك نقول: الكافة، أي تكف من خالفها، فاللفظة -على هذا- اسم فاعل، وقال بعض الناس: معناه: يكف بعضهم بعضا عن التخلف، وما قدمناه أعم وأحسن، وقال بعض الناس: كان الفرض بهذه الآية قد توجه على الأعيان ثم نسخ ذلك بعد وجعل فرض كفاية. وهذا الذي قالوه لم يعلم قط من شرع النبي صلى الله عليه وسلم أنه ألزم الأمة جميعا النفر، وإنما معنى الآية الحض على قتلاهم والتحزب عليهم وجمع الكلمة، ثم قيدها بقوله سبحانه: كما يقاتلونكم ، فبحسب قتالهم واجتماعهم لنا يكون فرض اجتماعنا لهم، وأما الجهاد الذي يندب إليه فإنما هو فرض على الكفاية إذا قام به بعض الأمة سقط عن الغير.
و(تم) ضمير فاعل (لأنفس) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من فاعل كنزتم أو مفعوله الفاء لربط جواب شرط مقدّر (ذوقوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون.. والواو فاعل (ما) موصول مفعول به على حذف مضاف أي جزاء ما كنتم... (كنتم) فعل ماض ناقص... و(ثم) اسم كان (تكنزون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل. جملة: (يحمى عليها... ) في محلّ جرّ مضاف إليه. وجملة: (تكوى.. جباههم) في محلّ جرّ معطوفة على جملة يحمى عليها. وجملة: (هذا ما كنزتم) في محلّ رفع نائب فاعل لفعل مقدّر تقديره يقال أي: يقال لهم هذا ما كنزتم. وجملة: (كنزتم... ) لا محلّ لها صلة الموصول (ما) الأول. وجملة: (ذوقوا... ) في محلّ جزم جواب شرط مقدّر أي إن كنزتم فلم تنفقوا فذوقوا. وجملة: (كنتم تكنزون) لا محلّ لها صلة الموصول (ما) الثاني وجملة: (تكنزون) في محلّ نصب خبر كنتم. الصرف: {يحمى} ، فيه إعلال بالقلب لمناسبة البناء للمجهول، أصله يحمي جاءت الياء متحرّكة بعد فتح قلبت ألفا. (تكوى)، فيه إعلال بالقلب جرى مجرى (يحمى). (جباه)، جمع جبهة، اسم للعضو المعروف، وزنه فعلة بفتح فسكون. البلاغة: 1- قوله تعالى: (فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ) خصت بالذكر، لأن غرض الكانزين من الكنز والجمع أن يكونوا عند الناس ذوي وجاهة ورياسة بسبب الغنى، وأن يتنعموا بالمطاعم الشهية والملابس البهية، فلوجاهتهم كان الكي بجباههم، ولامتلاء جنوبهم بالطعام كووا عليها، ولما لبسوه على ظهورهم كويت، أو لأنهم إذا رأوا الفقير السائل زووا ما بين أعينهم، وازوروا عنه وأعرضوا وولوه ظهورهم واستقبلوا جهة أخرى.