وفاة الإمام الباقر توفي الإمام الباقر عليه السّلام على أثر السم الذي دسّه إليه إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك، أيام خلافة هشام بن عبد الملك. قال أبو عبد الله عليه السّلام: «ان أبي قال لي ذات يوم في مرضه: يا بني أدخل أناساً من قريش من أهل المدينة حتى أشهدهم، قال: فأدخلت عليه أناساً منهم فقال: يا جعفر إذا أنامت فغسلني وكفني وارفع قبري أربع أصابع ورشّه بالماء، فلما خرجوا، قلت: يا أبت لو أمرتني بهذا صنعته ولم ترد أن أدخل عليك قوماً تشهدهم، فقال: يا بني أردت أن لا تنازع»(1). وقال عليه السّلام: «قال لي أبي: يا جعفر أوقف لي من مالي كذا وكذا، لنوادب تندبني عشر سنين بمنى أيام منى»(2). وقال: «كتب أبي في وصيته أن اكفّنه في ثلاثة أثواب: أحدها رداء له حبرة كان يصلي فيه يوم الجمعة، وثوب آخر، وقميص فقلت لأبي: لم تكتب هذا؟ فقال: أخاف أن يغلبك الناس وان قالوا: كفنه في أربعة أو خمسة فلا تفعل، وعممني بعمامة، وليس تعدّ العمامة من الكفن انما يعدّ ما يلف به الجسد»(3). وفاة الامام محمد الباقر ع. قال ابن الصباغ: «أوصى أن يكفن في قميصه الذي كان يصلي فيه. وعن ابنه جعفر الصادق عليه السّلام قال: كنت عند أبي في اليوم الذي قبض فيه، فأوصاني بأشياء في غسله وتكفينه وفي دخوله قبره، قال: فقلت له يا أبت والله ما رأيتك منذ اشتكيت أحسن منك اليوم ولا أرى عليك أثر الموت، فقال: يا بني، ما سمعت علي بن الحسين يناديني من وراء الجدار: يا محمّد عجل؟ ويقال: انه مات بالسم في زمن إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك»(4).
الإمام الباقر (عليه السلام) هو الخامس من سلسلة الأنوار الربانية المنبعثة من نور النبي الأعظم "محمد" "صلى الله عليه وآله"، وهو ابن زين العابدين وسيد الساجدين الإمام علي بن الحسين (عليه السلام)، وقد ولد في الأول من شهر رجب من سنة سبع وخمسين للهجرة، وكان عمره يوم استشهد جده الحسين (عليه السلام) في كربلاء أربع سنوات، حيث ذاق هو ووالده طعم الأسر المر على يد جلاوزة بني أمية. عاش الإمام الباقر (عليه السلام) كل حياته في ظل الخلافة الأموية وعاصر من خلفائها كلاً من الوليد بن عبد الملك، وسليمان بن عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز، ويزيد بن عبد الملك، وهشام بن عبد الملك وقد توفي في عهد هذا الأخير عن عمر سبع وخمسين سنة، كان فيها إماماً مدة ثمان عشرة سنة بعد وفاة أبيه الإمام السجاد (عليه السلام). وجاء في سبب تسميته بـ "الباقر" لأنه كان يبقر العلم بقراً أي شقه شقاً وأظهره إظهاراً، وللباقر معنى آخر وهو التوسع في العلم والتبحر فيه، وكان نقش خاتمه ﴿ … الْعِزَّةَ لِلَّهِ … ﴾ 1. والإمام الباقر (عليه السلام) هو الذي قال عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) لجابر بن عبد الله الأنصاري بأن الله سيطيل في عمرك حتى تلقى ولداً لي من الحسين يقال له محمد يبقر العلم بقراً فإذا لقيته فأقرئه مني السلام، وقد حصل ذلك فعلاً، وقبل جابر قدمي الإمام الباقر (عليه السلام) وقال " لنفسك الفداء يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إقبل سلام أبيك، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقرأ عليك السلام، قال: فدمعت عينا الإمام الباقر (عليه السلام) ثم قال "يا جابر على أبي رسول الله السلام ما دامت السموات والأرض وعليك يا جابر بما بلّغت السلام".
أما حياته: فقد شهد عليه السلام في بداية حياته الشريفه واقعة الطف ، ومجزرتها علي أيدي الأمويين وأنصارهم من اهل الكوفة ، وعاش المحنة التي مرت على اهل البيت في طفولته ورافق الرزايا ، والمصائب التي توالت على أبيه زين العابدين عليه السلام وبعد أبيه ما تقرب العشرين سنة من حكام الجور في ذلك العصر ، وبعد أبيه ما يقرب العشرين سنة. ولقد نص على إمامته وخلافته الإمام زين العابدين عليهما السلام في كثير من المناسبات منها قوله: ألا وأنه الإمام أبو الأئمة معدن العلم ، يبقره بقراً ، والله لهو أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله استشهد الإمام الباقر عليه السلام بسم دسه له الخليفة الأموي في سرج فرسٍ اركب الإمام عليه السلام عليه، عندما أرجعه من دمشق ألى المدينة بعدما أشخصه منها إلى الشام. وكان ذلك السلطان علىالأرجح -هشام بن عبدالملك ، وقد كان الإمام عليه السلام سميناً ، فسرى السم من السرج إلى لحمه ، فأثر في رجله ثم أمرضه ثلاثة أيام ، وقبض عليه السلام يوم الأثنين السابع من شهر ذي الحجة الحرام من سنة أربع عشرة ومئة من الهجرة النبوية المباركة بالمدينة المنورة. وقد أوصى عليه السلام إلى أبنه عبدالله بن جعفر الصادق عليه السلام بالإمامة بعده ، وأودعه ودائع الإمامة ، وجدد له وصاياه وتعاليمه ، وكان في جملة وصاياه ان يشقوا قبره كما لحد لرسول الله صلي الله عليه واله وعين ثمان مئة درهم لمأتمه ، وكان يرى ذلك من السُّنة المقدسة.