الحمد لله. أولًا: الزمان في الآخرة يختلف عن الزمان في الدنيا. اعلم أن يوم القيامة ليس كأيام الدنيا، بل هو يوم طويل، تحدث فيه أمور متعددة، وما يبدو للإنسان من أمور تحدث يوم القيامة، ويكون بينهما في ذهن الناظر تعارض ليس بتعارض في الحقيقة، بل: مرجعه إلى طول اليوم، وتعدد مواقفه، فما يحدث في موقف، وحال، لا يلزم أن يكون هو ما يحدث في غيره. مامعنى منتدى و السؤدد وحماه و هواكاثاراه - تلميذ. انظر جواب السؤال: ( 146979). ثانيًا: تفسير قوله تعالى (إذا الشمس كورت) قولُه تعالى: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ؛ أي: إذا جُمع جِرمُ الشمس، وذهب ضوؤها، فأُلقيت في النار، وقد "عبَّر السلف عن التكوير بالعبارات الآتية: ذهبت، وهو قول ابن عباس من طريق العوفي، والضحَّاك من طريق عبيد، وقال مجاهد من طريق أبي يحيى: اضمحلَّت وذهبت، وقال سعيد بن جبير من طريق جعفر: غُوِّرت. ذهب ضوؤها، وهو قول أبي بن كعب من طريق أبي العالية، وقتادة من طريق شعبة، وقال ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة: أظلمت. رُمي بها، وهو قول الربيع بن خثيم، وأبي صالح من طريق إسماعيل، وفي رواية أخرى من طريق إسماعيل: نُكِّسَت. وهذه الأقوال ترجع إلى معنيين: ذهابها بذاتها، يلحقه ذهاب ضوئها، ورميها. وعلى هذه التفاسير يكون التكوير محتملاً لهذين الأمرين، ويربط بينهما أنهما من الأحوال التي تَمُرُّ بها الشمس في ذلك اليوم، فجاءت هذه اللفظةُ الواحدةُ دالةٌ على هذه المعاني.
ويقول سبحانه: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّى نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لاَ تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلاَ أَمْتًا}. فتكون النار التي تخرج من اليمن تسوق الناس إلى أرض المحشر هي بداية ظهور ذلك الدمار الذي يلحق بالكون والذي يحدث على شرار أهل الأرض، وهم الذين تقوم عليهم الساعة. وتحدث عضو هيئة كبار العلماء، في أحد لقاءاته ببرنامج "والله أعلم" المذاع على قناة سي بي سي الفضائية، عن الفارق بين الساعة ويوم القيامة، وعما إذا كان بإمكاننا تخيل وقوعهما أم لا يمكننا ذلك، فقال جمعة إن اليوم الذي فيه نهاية الدنيا هو يوم الساعة وفيه علامات الساعة، ونهاية الدنيا هي دمارها فتنتهي منها الحياة، "فإذا كان عليها مليار أو اتنين أو عشرة سوف يموتون معًا في لحظة واحدة". وأضاف جمعة: أما القيامة فهي أمر آخر، فحين تأتي الساعة تكون نهاية الحياة على هذه الأرض، "وهذه الساعة هناك فرق بينها وبين يوم القيامة... واذا الجبال سيرت واذا العشار عطلت. فيوم القيامة إعادة الخلق للحساب والثواب والعقاب والجنة والنار والبعث الجديد". وأوضح جمعة أن الساعة تاتي أولًا، ويكون فيها الدمار، وهو تحقيق لتجلٍ إلهي من عالم الجبروت بحيث أنه هو المميت، ولذلك تفنى السماوات، وتفنى الارض، وتفنى الملائكة والجن وكل الكائنات، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام، فهو الباقي الذي لا يموت، والساعة تختلف عن يوم القيامة، وحين تقوم الساعة لا يبقى إلا وجه الله سبحانه وتعالى، "هنجلس أد ايه بقى في الفناء والعدم الله أعلم.. إحنا كده تحولنا للعدم المحض... فكان الله ولم يكن شيء معه، بعد الساعة يبقى الله ولا يبقى شيء معه تعالى".
وسورة التكوير تتحدث عن علامات تحدث يوم القيامة، ومنها: تكوير الشمس، وهذه الأمور كلها تحدث للشمس يوم القيامة. ثالثًا: أحوال الشمس يوم القيامة للشمس يوم القيامة أحوال متعددة، فقد ورد أنها تدنو من العباد في الحشر، ثم تلقى في جهنم بعد ذلك عذابًا لأهلها، ودليل هذا ما رواه "البخاري" (3340) "مسلم" (194): يَجْمَعُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لَا يُطِيقُونَ، وَمَا لَا يَحْتَمِلُونَ. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رضى الله عنه ـ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ مُكَوَّرَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رواه البخاري (3200)، ورواه البزار (15 / 243) بلفظ: إن الشمس والقمر ثوران في النار يوم القيامة وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1 / 242). قال "ابن عجيبة": "الشمس تدنو من الناس في الحشر، فإذا فرغ من الحساب كُوِّرت. " انتهى من "البحر المديد" (7/ 248). وعلى ذلك يكون تكويرها، ورميها في النار: إنما يكون في آخر الأمر، بعد أن تكون في أولها على حال من الدنو، من رؤوس العباد؛ وهذا أمر ظاهر لا إشكال فيه، فإن دنو الشمس من العباد إنما ذكر في حديث الشفاعة الكبرى يوم القيامة، حين يبلغ العباد من الشدة والكرب ما الله به عليم، ثم يأذن الله لنبيه الكريم أن يقوم مقام الشفاعة العظمى، فيشفع عند الله أن يقضي بين عباده، ويريحهم من كرب الموقف.