قوله تعالى: ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا وخلقناكم أزواجا وجعلنا نومكم سباتا وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا وبنينا فوقكم سبعا شدادا وجعلنا سراجا وهاجا وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا لنخرج به حبا ونباتا وجنات ألفافا قوله تعالى: ألم نجعل الأرض مهادا دلهم على قدرته على البعث; أي قدرتنا على إيجاد هذه الأمور أعظم من قدرتنا على الإعادة. والمهاد: الوطاء والفراش. وقد قال تعالى: الذي جعل لكم الأرض فراشا وقرئ مهدا. ومعناه أنها لهم كالمهد للصبي ، وهو ما يمهد له فينوم عليه والجبال أوتادا أي لتسكن ولا تتكفأ ولا تميل بأهلها. {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَاداً، وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً} - موقع العلامة الإنساني محمد أمين شيخو قدس سره. وخلقناكم أزواجا أي أصنافا: ذكرا وأنثى. وقيل: ألوانا. وقيل: يدخل في هذا كل زوج [ ص: 150] من قبيح وحسن ، وطويل وقصير; لتختلف الأحوال فيقع الاعتبار ، فيشكر الفاضل ويصبر المفضول. وجعلنا نومكم جعلنا معناه صيرنا; ولذلك تعدت إلى مفعولين. سباتا المفعول الثاني ، أي راحة لأبدانكم ، ومنه يوم السبت أي يوم الراحة; أي قيل لبني إسرائيل: استريحوا في هذا اليوم ، فلا تعملوا فيه شيئا. وأنكر ابن الأنباري هذا وقال: لا يقال للراحة سبات. وقيل: أصله التمدد; يقال: سبتت المرأة شعرها: إذا حلته وأرسلته ، فالسبات كالمد ، ورجل مسبوت الخلق: أي ممدود.
بسم الله الرحمن الرحيم. يريد سبحانه وتعالى في الآيات الكريمة التالية (من سورة النبأ) أن يُلفت نظر الإنسان إلى بعض ما يغمره به من إحسانه، ويفصِّل له بعض ما عمَّه به من فضله ونعمته. فقال جلّ شأنه مستنكراً على المعرضين عدم نظرهم وجمود تفكيرهم: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَاداً}: والمهاد: هو الشيء المهيأ والموطأ للاستعمال والانتفاع. فآية: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَاداً} تقول: أما رأيتم فضلي ونعمتي! إذ جعلت الأرض مهيَّأة لزرعكم موطَّأة لحياتكم! أما جعلت لكم فيها جميع الأسباب اللازمة لخروج الزرع! أما خلقت لكم فيها التراب ولولاه لما نبت زرع! أما جعلت فيها البحار لتمد السحب بالماء! أما أنشأت لكم فيها المستودعات التي تمدُّ العيون والأنهار! أما ألقيت في الأرض جميع ما تحتاجونه من أنواع النبات والحيوان، إلى غير ذلك ما لا يتسع له البيان... ماذا يكون عليه حالكم لو لم أتفضَّل عليكم بذلك كله! ألم نجعل الأرض مهادا* والجبال أوتادا. أفلا ترونه! أفلا تفكِّرون! {وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً}: والأوتاد: جمع وتد، وهو كل ما غُرز في الأرض فكان مثبِّتاً ومقوِّياً وحافظاً للتوازن. والله تعالى يريد أن يلفت نظرنا بهذه الآية إلى الجبال وما تقوم به من الوظيفة الهامّة في تثبيت الأرض خلال جريها في الفضاء وتثبيت القشرة الأرضية من الانسياح، فهذه الآية تقول: أما نظرتم إلى حركة الأرض!
وقد اكتسبت هذه الفرضية القبول مع ظهور مفهوم الألواح القارية Plate Tectonics, وأيدتها تقنيات الأجهزة الحديثة مثل جهاز قياس الزلازل Seismogr aph, والثابت علميا أن لجبال القارية جذوراً ( Roots) تمتد نحو الباطن بأعماق أكثر من ارتفاعها، وكلما زاد الارتفاع زاد امتداد الجذور ( اُنظر شكل جذور الجبال). إذن الدور الرئيس الذي تؤديه الجبال هو تثبيت ألواح الغلاف الصخري للأرض؛ والمعلوم أن لفظ الأرض في اللغة يأتي بدلالات متباينة يحددها السياق ف يُحْمَل لفظ (الأرض) مثلاً على كوكب الأرض أحياناً، بينما في أحيان أخرى يستخدم للدلالة على الغلاف الصخري للأرض أو سطح الأرض، كقوله تعالى:) وَأَلْقَىَ فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ ( (سورة النحل: الآية 15), فهنا تعنى كلمة الأرض (كوكب الأرض)، بينما في قوله تعالى:) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ وَلَا تَسْقِي الْحَرْث َ ( (سورة البقرة: الآية 71) فهنا الأرض (غبار الأرض) أي تثير غبار الأرض وليس إثارة كوكب الأرض. والمعلوم في تاريخ الإبحار أن السفن يوضع لها أثقال ضخمة أسفلها لتثبيتها كي لا تميد وتضطرب فوق تيارات البحار أو المحيطات, وكذلك الجبال فهي ترسو على مادة لدنة من المواد المنصهرة في نطاق الضعف الأرضي تماما كالسفن التي ترسو في البحار.
وقال سفيان والربيع وأبو العالية والضحاك: أي السحائب التي تنعصر بالماء ولما تمطر بعد ، كالمرأة المعصر التي قد دنا حيضها ولم تحض ، قال أبو النجم: تمشي الهوينى مائلا خمارها قد أعصرت أو قد دنا إعصارها وقال آخر: فكان مجني دون من كنت أتقي ثلاث شخوص كاعبان ومعصر وقال آخر: وذي أشر كالأقحوان يزينه ذهاب الصبا والمعصرات الروائح [ ص: 151] فالرياح تسمى معصرات; يقال: أعصرت الريح تعصر إعصارا: إذا أثارت العجاج ، وهي الإعصار ، والسحب أيضا تسمى المعصرات لأنها تمطر. وقال قتادة أيضا: المعصرات السماء ، النحاس: هذه الأقوال صحاح; يقال للرياح التي تأتي بالمطر معصرات ، والرياح تلقح السحاب ، فيكون المطر ، والمطر ينزل من الريح على هذا. ويجوز أن تكون الأقوال واحدة ، ويكون المعنى وأنزلنا من ذوات الرياح المعصرات ماء ثجاجا وأصح الأقوال أن المعصرات السحاب. كذا المعروف أن الغيث منها ، ولو كان ( بالمعصرات) لكان الريح أولى. قال الله عز وجل : أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا [النبأ: 6-7]. - مجتمع رجيم. وفي الصحاح: والمعصرات السحائب تعتصر بالمطر. وأعصر القوم أي أمطروا; ومنه قرأ بعضهم وفيه يعصرون والمعصر: الجارية أول ما أدركت وحاضت; يقال: قد أعصرت كأنها دخلت عصر شبابها أو بلغته; قال الراجز [ منصور بن مرثد الأسدي]: جارية بسفوان دارها تمشي الهوينى ساقطا خمارها قد أعصرت أو قد دنا إعصارها والجمع: معاصر ، ويقال: هي التي قاربت الحيض; لأن الإعصار في الجارية كالمراهقة في الغلام.
ثانياً: أوجه الإعجاز العلمي أثناء دراسة القشرة الأرضية اكتشف العلماء في السنوات الماضية أن كل جبل ما هو إلا وتد يثبت الأرض في رحلة دورانها. وتبين أن للجبل كثافة تختلف عن الأرض من حوله، وأننا نرى من الجبل الجزء الظاهر فقط، أما معظم أجزاء هذه الجبال فتنغرز في باطن الأرض لآلاف الأمتار ولا نراها! ألم نجعل الأرض مهادا. تماماً كالوتد، معظمُه في الأرض وجزء صغير منه يبرز فوقها ( اُنظر صورة وتد) ، هذا حال الجبال فمعظم وزنها وحجمها يتركزان في باطن الأرض، ولولا هذا التصميم للجبل لكان عبئاً على الأرض ولأحدث هزات فيها، ولكي يتضح الإعجاز العلمي في الآيتين 6، 7 من سورة النبأ، نتعرف على أقوال العلماء في: معنى الرواسي أوجه الإعجاز طبقا للحقائق العلمية والنصوص الحرفية المنقولة من موقع هيئة المساحة والجيولوجيا الأمريكية 1. معنى في بداية القرن التاسع عشر لاحظ جورج أفرست George Eve r est أن قوة الجذب المُقاسة بميل البندول في جبال الهيميلايا بالهند ( اُنظر صورة جبال الهيمالايا)، أكبر من المُفترض بكثير, ولم يُعرف حينذاك السبب ولذا سميت الظاهرة المحيرة لغز الهند Puzzle of India, وفي عام 1855م قدّم جورج أيري George Bidd e ll Airy (1801 1892) الأساس للتفسير الحديث حيث استبعد أن تكون الجبال مثبتة على قشرة صلبة تحتها؛ وإنما الجبال تطفو كالسفن في بحر من الصخور اللينة الحارة الأعلى كثافة, ولذا فهي تتبع قواعد الطفو حيث تمتد عميقًا كرواسي السفن الطافية حتى تستقر.