وفي صحيح البخاري: عَنْ أَبِى أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِىَّ – صلى الله عليه وسلم – كَانَ إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ: « الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ ، غَيْرَ مَكْفِىٍّ ، وَلاَ مُوَدَّعٍ وَلاَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ ، رَبَّنَا » ، وفي تفسير الوسيط لطنطاوي:المعنى: وإن تعدوا نعمة الله – تعالى – التى أنعمها عليكم ، فى أنفسكم ، وفيما سخره لكم لا تستطيعون حصر هذه النعم لكثرتها ولتنوعها ، وما دام الأمر كذلك فاشكروه عليها ما استطعتم ، وأخلصوا له العبادة والطاعة.
الدعاء
كتاب: الجدول في إعراب القرآن. إعراب الآيات (14- 16): {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)}. الإعراب: الواو استئنافيّة (هو) ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ (الذي) اسم موصول في محلّ رفع خبر (سخّر البحر) مثل سخّر الليل.
5) أنَّ النِّعمة من جِنس الإحسان؛ بل هي الإحسانُ، والله عزَّ وجلَّ إحسانه على البَرِّ والفاجِر، والمؤمِن والكافِر، وأمَّا الإحسان المطلَق، فهو للَّذين: ﴿ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128]. 6) أنَّ هذه النِّعَم ليس لأحدٍ - كائنًا مَن كان - أن يحصيها غير اللهِ؛ لكثرتها عليهم، وجهلِهم بها. 7) أنَّ دخول الجمْعِ يشعِر بالتحديد والتقييد بعدَد، وإفرادُه يشعِر بالمسمَّى مطلقًا من غير تحديدٍ؛ فالإفرادُ هنا أكمَل وأكثر معنًى من الجمْع، وهذا بَديع جدًّا؛ أن يكون مدلول المفرد أكثر من مدلول الجمْعِ؛ ولهذا كان قوله عزَّ وجل: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ أعمَّ وأتمَّ معنًى من أن يقال: وإن تَعدوا نِعَم الله لا تُحصوها. 8) أنَّ هذه النِّعَم غير متناهية؛ ومنها الظَّاهرة ومنها الباطِنة، ومنها الجليَّة ومنها الخفيَّة، ومنها المجملة ومنها المفصَّلة. وإن تعدوا نعمة الله. 9) أنَّ هذه النِّعمة عامَّة ليس لأحد أن ينزِلَها على نِعمةٍ دون الأخرى؛ لأنَّ {نِعْمَة} هنا مُفرد، والمفرد إذا كان اسمَ جنسٍ وأُضيف إلى معرفة فإنَّه يعمُّ؛ كما قرَّر ذلك أهلُ الأصول وغيرهم. 10) وبهذا نَعلم أنَّ كلَّ ما ذكَره أهلُ العلم، أو قاله المفسِّرون، هو من قَبيل التمثيل لا الحصر.
وأما في سورة النحل جاءت خطابا للفريقين كما كانت النعم منتفِعا بها كلاهما. ثم كان من اللطائف أن قوبل الوصفان اللذان في آية سورة إبراهيم "لظلوم كفار" بوصفين هنا، "لغفور رحيم"، إشارة إلى أن تلك النعم كانت سببا لظلم الإنسان وكفره وهي سبب لغفران الله ورحمته. والأمر في ذلك منوط بعمل الإنسان. " [6] ، فالله سبحانه غفور فيستر عليكم تقصيركم في القيام بشكرها، رحيم بكم فيفيض عليكم حيث يتجاوز عنكم إذا عجزتم عن شكره ويرضى بمعرفتكم له عن شكره" [7]. القرآن الكريم - تفسير السعدي - تفسير سورة النحل - الآية 18. هذه نعم الله على الإنسان الذي يعجز عن إحصائها وعَدِّها، فكيف السبيل إلى شكره سبحانه وتعالى وهو الذي يحثنا على الشكر ويعدنا بزيادة النعم إن نحن شكرناه بقوله عز من قائل: " ولئن شكرتم لأزيدنكم " [8]. ويقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لما أشفقت عليه السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها حين تورمت قدماه بطول قيام الليل: " أفلا أكون عبدا شكورا " [9]. ويقول الله تعالى: " وقليل من عبادي الشكور " [10] فالشكر من أعظم منازل العبادة ولا يوفق إليه إلا المؤمن الحق "الذي آمن بالله ورسله وعمل في رحلة الدنيا الوجيزة صالحا طمعا في النعمة العظمى التي وعده الله الكريم المنان إياها، نعمة الخلود في دار المقامة في رضى الله والنظر إلى وجهه الكريم. "
18) التنبيه على أنَّ الإنسان في محلِّ التقصير في شُكر تلك النِّعم. 19) أنَّ الله يَغفر له تقصيرَه في أداء شُكر نِعَمه، ويَرحمه ببقائها، مع تَقصيره في شُكرها. وان تعدوا نعمه الله لا تحصوها. 20) أنَّه بمقدار كَثرة النِّعَم يَكثر كُفر الكافرين بها؛ إذ أعرضوا عن عِبادة المنعِمِ، وعبَدوا ما لا يُغني عنهم شيئًا، فأمَّا المؤمنون، فلا يَجحدون نِعَمَ الله، ولا يَعبدون غيرَه. 21) عِظَم رحمة الله عزَّ وجل، وسَعَة فضلِه؛ فهو ينعِم على المطيع والعاصي، والمؤمنِ والكافر، ومع ذلك تُنسب إلى غيره، وهو المستحقُّ وحده دونما سواه لذلك. 22) تَجلِّي آثار كمال رَحمته عزَّ وجل في خلقه وهدايتهم وإنعامه عليهم؛ وهذا يَقودنا بالتالي إلى فَهْم ولو شيئًا يسيرًا قليلًا من معنى قوله عزَّ وجل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 18]. 23) أنَّ المنعِم عزَّ وجلَّ علينا بكل هذه النِّعَم هو الموصوف بصِفات العظمة والكمال، والعزَّةِ والجلال. 24) أن المنعِم عزَّ وجلَّ لم يطالِبنا بشكر جميع نِعَمه؛ لِعجزِنا عن القيام بذلك، ولم يأمُرنا به؛ لضعفِنا وعدم المواظبة عليه، ولو أنَّه عزَّ وجلَّ عذَّبَنا لعذَّبنا وهو غير ظالمٍ لنا، ولكنَّه عزَّ وجلَّ غفور رحيم؛ يَغفر الكثيرَ، ويجازي على اليسير.