قال النبي صلى الله عليه وسلم: من استعمل رجلا على عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين (رواه الحاكم). ولعل هذا من عوامل تخلف الأمة وانحطاطها، حيث ترى أن كثيراً من أصحاب الكفايات العلمية والعقلية والعملية قد أبعدوا عن مناصب هم أحق بها، وعن مواقع هم أجدر بأن يتبوأوها وحل محلهم من هم دونهم كفاءة وخبرة بسبب شفاعة ما فتخسر الأمة بذلك عقولها المتميزة فينتشر الفساد والرشوة، وهذه من علامات الساعة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم للرجل الذي سأله: متى تقوم الساعة؟ فقال له: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة فقال: وكيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر لغير أهله فانتظر الساعة (رواه البخاري). ومن صور الخيانة أيضاً من يتولى أمراً من أمور المسلمين بولاية أو حكم فيضيع حقوق الناس، ولا يقيم العدل فيهم، ويتقاعس عن أداء واجبه نحوهم. فصل: تفسير الآية رقم (58):|نداء الإيمان. وهذا الصنف من الولاة والحكام سيكون جزاؤهم من جنس عملهم يوم القيامة. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: إذا جمع الله بين الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر لواء يعرف به، فيقال: هذه غدرة فلان (رواه البخاري). وفي رواية أخرى: لكل غادر لواء عند استه، يرفع له بقدر غدرته.
ﵟ ذَٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ﰳ ﵞ سورة يوسف قالت امرأة العزيز: ليعلم يوسف حين أقررت أني أنا الذي راودته، وأنه صادق أني لم أفترِ عليه في غيابه، فقد تبين لي مما حصل أن الله لا يوفق من يكذب ويمكر. ﵟ ۞ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ﰥ ﵞ سورة الحج إن الله يدفع عن الذين آمنوا بالله شر أعدائهم، إن الله لا يحب كل خوان لأمانته، كفور لنعم الله، فلا يشكر الله عليها، بل يبغضه. الأعين الخائنة ﵟ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﰒ ﵞ سورة غافر الله يعلم ما تختلسه أعين الناظرين خفية، ويعلم ما تكتمه الصدور، لا يخفى عليه شيء من ذلك.
ﵟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﰚ ﵞ سورة الأنفال يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله، لا تخونوا الله والرسول بترك الامتثال للأوامر وعدم اجتناب النواهي، ولا تخونوا ما ائْتُمِنْتُم عليه من الدين وغيره، وأنتم تعلمون أن ما قمتم به خيانة؛ فتكونوا من الخائنين. ﵟ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ﰹ ﵞ وإن خفت - أيها الرسول - من قوم عاهدتهم غشًّا ونقضًا للعهد بأمارة تظهر لك فأعلمهم بطَرْحِ عهدهم حتى يستووا معك في العلم بذلك، ولا تباغتهم قبل إعلامهم، فإن مباغتتهم قبل إعلامهم من الخيانة، والله لا يحب الخائنين، بل يمقتهم، فاحذر أنت من الخيانة. ﵟ وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﱆ ﵞ وإن يقصدوا - يا محمد - خيانتك بما يُظْهِرون لك من القول فقد خانوا الله من قبل، وقد نصرك الله عليهم، فَقُتِل منهم من قُتِل وأُسِر من أُسِر، فلينتظروا مثل ذلك إن عادوا، والله عليم بخلقه وبما يصلحهم، حكيم في تدبيره.
ألا ولا غادر أعظم من أمير عامة (رواه مسلم). ويروى أن أبا ذر رضي الله عنه طلب الولاية أو الإمارة من الرسول صلى الله عليه وسلم فضرب الرسول صلى الله عليه وسلم على منكبه ثم قال: يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها (أي الحكم والإمارة) أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها (رواه مسلم). سوء عاقبة المرتشي ومن صوّر الخيانة المنتشرة في بلاد المسلمين أيضاً: الاختلاس، فهذا الرجل الذي لا يكتفي بأجره الذي يحصل عليه من عمله، ويتقاضى مبالغ من الناس مقابل أداء مصالحهم متذرعا بقلة راتبه، وكثرة مسؤولياته هذا الرجل المرتشي خائن لوظيفته وواجباته، خائن لمنصبه الذي وضع فيه، خائن لضميره، خائن لتعاليم دينه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا، فما أخذ بعد ذلك فهو غلول (رواه أبو داود). وها هو ذا الرسول صلى الله عليه وسلم يبين في مقام آخر حكم الشرع في هذا الخائن المرتشي وسوء عاقبته في الآخرة، فيقول: أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول: هذا لكم، وهذا هدية أهديت إلي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقا؟ والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة، فلا أعرفن أحداً منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر،، ثم رفع يديه حتى رئي بياض إبطيه يقول: اللهم هل بلغت (رواه مسلم).
الخيانة من الأخلاقيات التي حرمها الإسلام، وحاربها حرباً شعواء. ولكن ما مفهوم الخيانة؟ وما أضرارها؟ وما صورها؟ وما حكم الشرع على من يتصف بها؟ يعتقد كثير من الناس أن الخيانة مقصورة على الخيانة الزوجية، أو خيانة أمانة المال فحسب، ولكن الأمر أعم من ذلك وأشمل والخيانة بمفهومها الشامل هي التقاعس عن أداء المسؤولية الملقاة على عاتق الشخص، مهما كانت تلك المسؤولية صغيرة كانت أو كبيرة، عظيمة أو حقيرة. ومهما كان هذا الشخص حاكما أو محكوما، غنياً أو فقيراً، شريفا أو وضيعاً، ومصداق هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راعٍ وهو مسؤول عن رعيته (رواه البخاري). وكلما كانت المسؤولية أعظم كانت الخيانة عن عدم أدائها أعظم. والخيانة من صفات المنافقين، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان. منبوذ مكروه والخائن لا يؤتمن على مال ولا على عرض ولا على عمل، ولا على دين، فهو منبوذ من الناس، ملعون من الله تعالى. ولقد حذر الإسلام من الخيانة في آيات قرآنية كثيرة، وأحاديث نبوية عديدة، وذلك لأن الخيانة صفة تنكرها الفطرة النقية، وتأباها النفوس التقية.