(أخرجه الشيخان). إن الطغيان والظلم يرجع تاريخهما إلى عهد بعيد في الزمن الغابر، حين اعتدى أحد بني آدم على أخيه وسفك دمه ظلمًا وعدوانًا، واندفاعًا نحو تحقيق الأطماع والمصالح الذاتية، فكان قدوة سيئة للعدوان والطغيان، وباء بالخسران وبالخزي والندامة على فعلته البشعة.
وإن من الظلمة من يغتر بإمهال الله له، فيِأَكْل أَمْوَال النَّاس، ويَأَخذهَا ظلماً، أو يظلم النَّاس بِالضَّرْبِ والشتم والتعدي، والاستطالة على الضُّعَفَاء، ولكن ليعلم كل ظالم أن له يوماً لا يُخلف، قال تعالى: " وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ "[إبراهيم: 42]، وقال تعالى:" وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ "[الشعراء: 227]، وقال تعالى:" وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ". أيها الإخوة الأكارم: "والظلم يشتمل على معصيتين: أخذُ مال الغير بغير حق، ومبارزةُ الرب بالمخالفة، والمعصية فيه أشد من غيرها؛ لأنه لا يقع غالباً إلا بالضعيف الذي لا يقدر على الانتصار، وإنما ينشأ الظلم عن ظلمة القلب؛ لأنه لو استنار بنور الهدى لاعتبر، فإذا سعى المتقون بنورهم الذي حصل لهم بسبب التقوى؛ اكتنفت ظلماتُ الظلم الظالمَ، حيث لا يغني عنه ظلمُه شيئاً" (1). شرح حديث اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة. وأعظم الظلم الذي يقترفه العبد: ظلم نفسه بالشِّرْك، كما قال تعالى:" إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ " فإنَّ المشركَ جعل المخلوقَ في منزلةِ الخالق، فعبده وتألَّهه، فوضع الأشياءَ في غيرِ موضعها، وأكثر ما ذُكِرَ في القرآن مِنْ وعيد الظالمين إنَّما أُريد به المشركون، كما قال الله عز وجل: "وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ"، ثمَّ يليه المعاصي على اختلاف أجناسها - من كبائرَ وصغائرَ -. "
أخي المسلم: إن الظلم لا يكاد يسلم منه أحدٌ منا! فمنا المسترسل معه، ومنا المجاهد نفسه على تركه؛ ذلك أن الله تعالى وصف هذا الإنسان بأنه: ظلوم جهول، لكن السؤال: ما هو الموقف الشرعي الذي يقفه المسلم من أخيه الظالم؟ لقد أجاب النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بأبلغ كلام وأوجز عبارة فقال: "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً! فقال رجل: يا رسول الله! صور عن الظلم , الظلم ظلمات يوم القيامة - رمزيات. أنصره إذا كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره" (6). "ومعناه: أنه إذا نهاه ووعظه فقد نصره على شيطانه ونفسه الأمارة بالسوء، حتى غلبه ذلك" (7). ومِن معانيه ما أشار له البيهقي فقال: "أن الظالم مظلوم في نفسه، فيدخل فيه ردع المرء عن ظلمه لنفسه حساً ومعنى، فلو رأى إنساناً يريد أن يَجُبّ نفسَه لِظَنه أن ذلك يزيل مفسدة طلبه الزنا مثلاً! منعه من ذلك وكان ذلك نصراً له" (8). ومما يجلي معنى هذا الحديث أكثر أن يقال: إنك إذا "تركتَه على ظلمه، ولم تكفّه عنه أذاه ذلك إلى أن يُقتص منه؛ فمنعك له مما يوجب عليه القصاص نصرُه، وهذا يدل من باب الحكم للشيء وتسميته بما يؤول إليه، وهو من عجيب الفصاحة، ووجيز البلاغة" (9). ومن لطائف هذا الحديث أن فيه "إشعار بالحث على محافظة الصديق والاهتمام بشأنه، ومِن ثَم قيل: حافظ على الصديق ولو على الحريق" (10).
إن الظلم لا يُترك منه قدر أنملة، فإذا رأيت ظالماً قد سطا فنم له؛ فربما بات فأخَذَت جنبَه من الليل نملة - أي قروح في الجسد -" (14). اللهم أجرنا من الظلم والظالمين، واجعلنا بالعدل وعلى العدل قائمين، وأنر لنا الطريق إلى جنات النعيم. _________________ (1) فتح الباري: ( 5/ 100). (2) جامع العلوم والحكم (ص: 224). (3) قال أبو عمرو: الدَهَقُ بالتحريك: ضربٌ من العَذاب وهو بالفارسية أَشْكَنْجَهْ. [الصحاح في اللغة(دهق)]. (4) ذم البغي: (1/ 40). (5) محاضرات الأدباء: (1/ 269). (6) البخاري ح(6952). الضلم ضلمات يوم القيامه - نادي الهلال السعودي - شبكة الزعيم - الموقع الرسمي. (7) مشارق الأنوار على صحاح الآثار: (1/ 329). (8) فتح الباري - ابن حجر: (5/ 98). (9) شرح صحيح البخاري لابن بطال: (6/ 572). (10) فيض القدير: (3/ 76). (11) خلق المسلم: (ص141). (12) فيض القدير: (1/ 134). (13) لباب الآداب لأسامة بن منقذ (ص311): "قلت: هذا فصل يتعين اتّساع القول فيه لحاجة الناس إلى الكفّ عن الظلم، غير أنّني قد أوردت في كتابي المترجم بكتاب (ردع الظّالم وردّ المظالم) منه ما غنيت به عن الإطالة في إيراده في كتابي هذا". (14) الكبائر الذهبي: (ص72). نقلاً عن الإسلام اليوم
عن ابن عمر-رضي الله عنهما- مرفوعا: «الظلم ظلمات يوم القيامة». عن جابر-رضي الله عنهما- مرفوعا: «اتقوا الظلم, فإن الظلم ظلمات يوم القيامة, واتقوا الشُّحَ؛ فإنه أَهْلَكَ من كان قبلكم». [ صحيحان. ] - [حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: متفق عليه. حديث جابر -رضي الله عنه-: رواه مسلم. ] الشرح الحديثان من أدلة تحريم الظلم، وهو يشمل جميع أنواع الظلم، ومنه الشرك بالله تعالى، وقوله في الحديثين: "الظلم ظلمات يوم القيامة" معناه أنه ظلمات متوالية على صاحبه بحيث لا يهتدي يوم القيامة سبيلا. وقوله في الحديث الثاني: (واتقوا الشح فإنه أهلك من كان قبلكم) فيه التحذير من الشح وبيان أنه إذا فشا في المجتمع فهو علامة الهلاك، لأنه من أسباب الظلم والبغي والعدوان وسفك الدماء. الترجمة: الإنجليزية الفرنسية الإسبانية التركية الأوردية الإندونيسية البوسنية الروسية البنغالية الصينية الفارسية تجالوج الهندية السنهالية الكردية الهوسا البرتغالية عرض الترجمات
ومن الظلم العظيم: أن يخل العبد بشيء من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأرحم بهم وأرأف بهم من كل أحد من الخلق، وهو الذي لم يصل إلى أحد خير إلا على يديه. ومن العدل: بر الوالدين، وصلة الأرحام، وأداء حقوق الأصحاب والمعاملين. ومن الظلم: الإخلال بذلك. ومن العدل: قيام كل من الزوجين بحق الآخر. ومن أخل بذلك منهما فهو ظالم. وظلم الناس أنواع كثيرة، يجمعها قوله صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا". فالظلم كله بأنواعه ظلمات يوم القيامة، يعاقب أهلها على قدر ظلمهم، ويجازى المظلومون من حسنات الظالمين. فإن لم يكن لهم حسنات أو فنيت، أخذ من سيئاتهم فطرحت على الظالمين. والعدل كله نور يوم القيامة {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} والله تعالى حرّم الظلم على نفسه، وجعله بين عباده محرماً. فالله تعالى على صراط مستقيم في أقواله وأفعاله وجزائه. وهو العدل. وقد نصب لعباده الصراط المستقيم الذي يرجع إلى العدل، ومن عدل عنه عدل إلى الظلم والجور الموصل إلى الجحيم.