والملفت حقًّا هنا هو ذلك الموقف الذي اتخذته الضباع — الأم — عقب سماعها للزير قاتل ابنها شيبان، وكيف أنها استبشَرت بتوعُّده للحرب فكان أن «زالت عنها لوعتُها وخفَّت الأحزان» عقب سماعها لشعره المتوعد بأخذ الثأر. وعلى هذا عادت الأم إلى قبيلتها أو قبيلة زوجها همام المعادية، والمطلوب هنا هو بذل الجهد في تصور هذه المواقف القبلية من حيث الانتماء والولاء، ليس فقط على المستوى الجسدي، بل ما يُمكن أن يُشكِّل موقفًا مع القبيلة وضد الأمومة كما في حالة الضباع هذه، وحالات أخرى مماثلة لها ذات الصعوبة ستُطالعنا هنا ونحن بإزاء مقتل كليب الذي يُبدع في نثره راوي السيرة، والذي يستشفُّ من نصوصها الشعبية مدى المؤثِّرات اللهجية السورية والفلسطينية واللبنانية بأكثر من العربية الحجازية أو المصرية. قصيدة الزير سالم في شيبون - YouTube. إنَّ اغتيال كليب يوازي اغتيال سلف أب، مثل اغتيال إله. وعليه فمن واجبنا هنا التذكير بأننا لسنا بإزاء تصرُّفات وممارسات ومواقف وعلاقات بالمفهوم الأنثروبولوجي — بشرية، بقدر ما نحن بإزاء مواقف وعلاقات وممارسات طوطمية أو إلهية؛ ذلك أنَّ معظم الأسماء التي توردها نصوص هذه السيرة المختلفة أسماء لآلهة وأصنام وطواطم عربية أو سامية أو جاهلية بحسب التسميات التلفيقية، سواء أكان كليب أو سالم أو ضباع أو البسوس سعاد مؤنَّث الإله سعد الصنم الجاهلي البعل سعد، وكذا الجرْو، ثم اليمامة التي أصبحت مدنًا وقبائل ومواطن.
» وما إن انتبه تردده ذاك — الهاملتي — في حسم موقف الانتقام لأخيه الملك المغتال كليب، حتى توسَّط منتدى قومه، ٣ فجزَّ جدائله المُنسدلة مثله مثل الأبطال البهيميين البريين الذين تربوا مع الحيوانات، مثل «أنكيدو» وصِنْوه المتوحِّد معه — رأسًا لقَدَم — شمشون. فحرَّم اللهو وشرب الخمر والتزيُّن، وأن لا يدَّهِن «حتى أقتل بكل عضو من كليب رجلًا من بني بكر بن وائل. » وهنا يحقُّ لنا التريث أمام مقولة الزير سالم المُثكل التي فيها يتوعد قبائل بني بكر بن وائل بأنه سيضربهم بكل عضو من كليب أو قبائل كليب أو الكلبيين أو بني كليب، بما يؤكد أن كالب وكليب قبائل تَنتمي إلى التحالف الكنعاني الفينيقي أو البحري من لبنانيين وفلسطينيين وسوريين بأكثر من انتمائهم وسلَفهم المُغتال كالب إلى شمال الجزيرة العربية في نجد والحجاز، وهو الخلاف الجوهري لموطن وجغرافية هذه السيرة — الملحمة — ما بين معالم نجد والحجاز والمأثورات الفصحى، والشام وفلسطين من النصوص الفولكلورية. فمِما يؤكد العودة بمسرح أحداث هذه السيرة إلى ربوع الشام وفلسطين، وهو — كما أسلفنا القول — ما يتبدَّى جليًّا إلى حدِّ وثوقي في نصوصها الشعبية الفولكلورية في مواجهة مأثوراتها المُتناثرة العربية أو الفصحى، مع الأخذ في الاعتبار أنَّ التحالف الكالبي الطوطمي البحري للفينيقيين من لبنانيين وفلسطينيين وسوريين، الذين وصلتْ هجراتهم وفتوحاتهم وشتاتاتهم منذ أقدم العصور مطلع الألف الثانية قبل الميلاد إلى إنجلترا وأيرلندا وبعض دول الشمال الأوروبي عامة، كذلك كان للكلبيِّين شتاتاتهم وقبائلهم في الجزيرة العربية نجد والحجاز، بالإضافة إلى تواجُدهم في مصر حين الْتقى بهم المؤرخ بليني القرن الثاني ق.
وهو تساؤل نرجئ الإجابة عنه مع توالي أحداث الضباع والزير سالم.