والصواب: القول الأول: لأن الحديث الدال على ذلك لا يعارضه شيء.. وسواء كان هو أفضل أم يوم عرفة فليحرص المسلم حاجاً كان أم مقيماً على إدراك فضله ، وانتهاز فرصته. 4- بر الوالدين وصلة الرحم: قال الله تعالى: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا}. وبر الوالدين من أفضل الأعمال وأعظم الطاعات ، فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله ؟ قال: (( الصلاة في وقتها)) قلت: ثم أي ؟ قال: (( بر الوالدين)) ، وقلت: ثم أي قال: (( الجهاد في سبيل الله)). أيها الزوج والزوجة تمهلوا بإتخاذ آخر قرار - الصفحة 2 - منتدى عالم الأسرة والمجتمع. وعندما أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد وهو من أعظم الأعمال ، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (( أحيٌّ والداك)) قال: نعم. قال: (( ففيهما فجاهد)). ومن صور البر: طلاقة الوجه ، وخدمتهما ، وإدخال السرور عليهما ، وتحمل أذاهما ، ومد يد العون إليهما. ومن صور البر بهما بعد موتهما: ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم حينما سأله رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله ، هل بقي عليَّ من بر أبوي شيء بعد موتهما أبرهما به ؟ قال: (( نعم ، خصال أربع: الصلاة عليهما ، والاستغفار لهما ، وإنفاذ عهدهما ، وإكرام صديقهما ، وصلة الرحم التي رحم لك إلا من قبلهما ، فهو الذي بقي عليك من برهما بعد موتهما)).
والمُسَوِّفُ المسكين لا يدري أنَّ الذي يدعوه إلى التسويف اليوم هو معه غدا، وإنما يزداد بطول المدة قوّة ورسوخا، ويظن أنه يتصوّر أن يكون للخائض في الدنيا والحافظ لها فراغ قط وهيهات، فما يفرغ منها إلا من طرحها، فما قضى أحد منها لُبَانَتَه ، وما انتهى أَرَبٌ إلاّ إلى أَرَب. وأصلُ هذه الأماني كلِّها حبُّ الدنيا والأُنسُ بها، والغفلةُ عن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "أَحْبِبْ من أحْبَبْتَ فإنك مفارِقُه" 1. وأما الجهل، فهو أن الإنسان قد يُعَوِّلُ على شبابه فيستبعد قرب الموت مع الشباب، وليس يتفكر المسكين أن مشايخ بلده لو عُدُّوا لكانوا أقل من عشر رجال البلد، وإنما قَلُّوا لأن الموت في الشباب أكثر، فإلى أن يموت شيخ يموت ألف صبي وشابّ. وقد يستبعد الموت لصحته، ويستبعد الموت فجأة ولا يدري أنّ ذلك غير بعيد، وإن كان ذلك بعيدا فالمرض فجأة غيرُ بعيد، وكل مرض فإنما يقع فجأة، وإذا مرض لم يكن الموت بعيدا. ولو تفكَّر هذا الغافل وعلم أن الموت ليس له وقت مخصوص من شباب وشِيب وكهولة، ومن صيف وشتاء وخريف وربيع، ومن ليل ونهار لعَظُمَ استشعارُه واشتغل بالاستعداد له، ولكنّ الجهلَ بهذه الأمور وحبَّ الدنيا دَعَوَاه إلى طول الأمل وإلى الغفلة عن تقدير الموت القريب، فهو أبدا يظن أن الموت يكون بين يديه ولا يقدِّر نزولَه به ووقوعَه فيه.
من هدي الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، بل جوهر دعوته المنيفة ولبها، التذكير باليوم الآخر وبلقاء الله سبحانه، والحض على التفكر الدائم في الجسر المفضي إلى دار الخلود: الموت. كان ذلك دأبه عليه الصلاة والسلام في الجماعات والجمع والأعياد، يقرأ على الصحب الكرام -عليهم من الله الرضى والرضوان- آيات المصير، ويرفع الهمم لحث المسير. ففي صحيح مسلم عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان رضي الله عنها قالت: "لقد كان تنُّورنا وتنور رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدا سنتين -أو سنة وبعض سنة- وما أخذت ق والقرآن المجيد إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس". وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أبا واقدٍ الليثي رحمه الله ما كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضحى والفطر؟ فقال: كان يقرأ فيهما بـ ق والقرآن المجيد و اقتربت الساعة وانشق القمر. وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر بـ ق والقرآن المجيد وكانت صلاته بعد تخفيفا. و"ق" و"اقتربت الساعة" كلاهما ذكر للموت وللدار الآخرة وتشويق لـ جنات ونهر عند مليك مقتدر. فالعبرة الكبرى من العيد التذكُّر والتذكير بالعيد الأعظم لقاء الرب الكريم الرحمن الرحيم.