ويجلس الرجل السوء في قبره فزعا مشعوفاً، فيقال له: فيم كنت؟ فيقول: لا أدري، فيقال له: ما هذا الرجل؟ فيقول: سمعت الناس يقولون قولا فقلته! فيفرج له فرجة قبل الجنة، فينظر إلى زهرتها وما فيها فيقال له: انظر إلى ما صرف الله عنك، ثم يفرج له فرجة إلى النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضاً، فيقال: هذا مقعدك، على الشك كنت، وعليه مت، وعليه تبعث إن شاء الله) 2. فالمطلوب من الإنسان أن يتذكر ذلك المكان الذي سيؤول إليه، قال مجاهد: "أول ما يكلم ابن آدم حفرته تقول: أنا بيت الدود، وبيت الوحدة، وبيت الوحشة، وبيت الظلمة، وبيت الغربة! هذا ما أعددت لك يا ابن آدم فما أعددت لي؟! " 3. الدرر السنية. وقال عمر بن عبد العزيز -رحمة الله عليه- لبعض جلسائه: "يا فلان لقد أرقت البارحة تفكيرا بالقبر وساكنه، إنك لو رأيت الميت بعد ثلاث ليال في قبره لاستوحشت منه بعد طول الأنس به، ولرأيت بيتاً تجول الهوام فيه، ويجري فيه الصديد، وتخرقه الديدان مع تغير الريح وتقطع الأكفان، وكان ذلك بعد حسن الهيئة، وطيب الريح، ونقاء الثوب، ثم شهق شهقة خر مغشياً عليه" 4. فينبغي للإنسان أن يكثر من ذكر هذا الموقف الرهيب، يقول سفيان الثوري: "من أكثر من ذكر القبر وجده روضة من رياض الجنة، ومن غفل عن ذكره وجده حفرة من حفر النار" 5.
أيها المؤمنون الكرام، القبور وما يجري فيها عالم عجيب يدل على قدرة الخالق جل وعلا، فهناك عوالم أخرى غير عالمنا لا ندركها بحواسنا، ولا نعلم عنها شيئًا، إلا ما أعلمنا الله عنها في كتابه، وما صحَّ من أحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ولذا فمن لا يؤمن بالكتاب والسنة، فلا بد أن يكذب بأحوال القبر وأهواله. ولقد دلَّت آيات القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة على أن القبر إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النيران، عياذًا بالله.
فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك الرجل. فقيل له: إنه آكل الربا، هذا عذابه في البرزخ، أجارنا الله من عذاب القبر. هذه أيها المسلمون أمثلة لمن يعذبون في قبورهم ممن ارتكبوا بعض الذنوب والمعاصي. فاتقوا الله تعالى وخافوا من عذابه، واعلموا أن مما ينجي العبد من عذاب القبر الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، والمحافظة على صلاة الجماعة. ومما ينجي من عذاب القبر الاستشهاد في ساحة القتال، فقد قال عليه الصلاة والسلام: " للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، و يأمن من الفزع الأكبر، ويحلى حلية الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويشفع في سبعين إنساناً من أقاربه ". ومما ينجي من عذاب القبر قراءة سورة تبارك الذي بيده الملك، فقد قال عليه الصلاة والسلام: " سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر ". ومما ينجي أيضاً الاستعاذة بالله من عذاب القبر دبر كل صلاة، فقد قال الأمين عليه الصلاة والسلام: " إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتة المسيح الدجال ".
وإن لم ينج منه) أي: لم يخلص من عذاب القبر ، ولم يكفر ذنوبه ، وبقي عليه شيء مما يستحق العذاب به. فما بعده أشد منه) ؛ لأن النار أشد العذاب ، فما يحصل للميت في القبر: عنوان ما سيصير إليه. " مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " ( 1 / 229). وأما كلام شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – المشار إليه في السؤال فهو قوله: قد دلَّت نصوص الكتاب والسنَّة: على أن عقوبة الذنوب تزول عن العبد بنحو عشرة أسباب: أحدها: التوبة ، وهذا متفق عليه بين المسلمين.... السبب الثامن: ما يحصل في القبر من الفتنة والضغطة والرَّوعة ، فإن هذا مما يكفر به الخطايا. مجموع الفتاوى " ( 7 / 487 – 501) ، وينظر أيضا: "مجموع الفتاوى" (10/45). ثانيا: إذا كان الإشكال عند السائل هو فيمن لم ينج من عذاب القبر ، من عصاة الموحدين ؛ وكيف أن عذاب القبر سوف يكون تكفيرا لسيئاته ، مع أن ما بعد القبر وعذابه أشد منه ، كما في الحديث ، فيقال في الجواب عن ذلك: 1-أنه لا يلزم من كون عذاب القبر من أسباب المغفرة: أن تكون المغفرة عامة للذنوب جميعها ، بل قد يكون سببا لمغفرة بعض ذنوبه ، ثم يبقى يعذب ببعضها الآخر ، وعذابه في جهنم لا شك أنه أشد مما مر عليه في قبره ، خاصة إذا كان عذاب القبر قد استمر مدة ، ثم انقطع ، ولم يبق متواصلا معه إلى البعث.
المصدر:
تجارب العالم مندل بدأ العالم مندل تجاربه في عام 1856، وقد أجرى تجاربه على الفئران، ونحل العسل، إلا أنّه قررّ أنّ نبات البازيلاء هو النّموذج المناسب لإجراء تجاربه.