وقال الكلبي: الجهاد ، وقيل: هو القرآن ، وقيل: هو النظر في القرآن والتفكر والتأمل فيه ( وأنفقوا من ما رزقناكم) قال ابن عباس يريد زكاة المال ومن للتبعيض ، وقيل: المراد هو الإنفاق الواجب ( من قبل أن يأتي أحدكم الموت) أي دلائل الموت وعلاماته فيسأل الرجعة إلى الدنيا وهو قوله: ( رب لولا أخرتني إلى أجل قريب) وقيل: حضهم على إدامة الذكر ، وأن لا يضنوا بالأموال ، أي هلا أمهلتني وأخرت أجلي إلى زمان [ ص: 18] قليل ، وهو الزيادة في أجله حتى يتصدق ويتزكى وهو قوله تعالى: ( فأصدق وأكن من الصالحين) قال ابن عباس هذا دليل على أن القوم لم يكونوا مؤمنين إذ المؤمن لا يسأل الرجعة. وقال الضحاك: لا ينزل بأحد لم يحج ولم يؤد الزكاة الموت إلا وسأل الرجعة وقرأ هذه الآية ، وقال صاحب الكشاف: من قبل أن يعاين ما ييأس معه من الإمهال ويضيق به الخناق ويتعذر عليه الإنفاق ، ويفوت وقت القبول فيتحسر على المنع ويعض أنامله على فقد ما كان متمكنا منه ، وعن ابن عباس تصدقوا قبل أن ينزل عليكم سلطان الموت فلا تقبل توبة ولا ينفع عمل. وقوله: ( وأكن من الصالحين) قال ابن عباس: أحج ، وقرئ فأكون وهو على لفظ فأصدق وأكون ، قال المبرد: و" أكون " على ما قبله لأن قوله: ( فأصدق) جواب للاستفهام الذي فيه التمني والجزم على موضع الفاء ، وقرأ أبي فأتصدق على الأصل وأكن عطفا على موضع فأصدق.
وقد أخرج الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً سأله عن هذه الآية، فقال: هؤلاء رجال من أهل مكة أسلموا وأرادوا أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم، فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم -أي بعد مدة- ورأوا الناس قد فقهوا في الدين أي سبقوهم بالفقه في الدين لتأخر هؤلاء عن الهجرة، فهمّوا أن يعاقبوهم، فأنزل الله هذه الآية: (وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [التغابن:14]. وعن عطاء بن يسار وابن عباس أيضاً أن هذه الآية نزلت بالمدينة في شأن عوف بن مالك الأشجعي كان ذا أهل وولد، فكان إذا أراد الغزو بكوا إليه ورققوه، وقالوا: إلى من تدعنا؟ فيرق لهم فيقعد عن الغزو، وشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية في شأنهم. القرآن الكريم - تفسير البغوي - تفسير سورة المنافقون - الآية 9. فالولد يكون عدوا لأبيه، والزوجة تكون عدوة لزوجها إذا تسببا في صرف الرجل عن طاعة الله أو إيقاعه في معصية الله، وهذا أمر معلوم مشاهد، فكثير من الآباء يقصرون في البذل والإحسان بسبب أبنائهم، ومنهم من يدخل بيته المنكرات استجابة لرغبة أهله وأولاده، ولهذا كان على المسلم أن يحذر حتى يسلم. وأما كون المال والولد فتنة أي اختباراً وابتلاءً فأمر ظاهر، فمن الناس من يكون المال والولد سبباً في صلاحه واستقامته، ومنهم من يطغيه ذلك، ويصرفه عن ربه سبحانه.
سورة المنافقون مدنيَّة، وآياتها إحدى عشرة. يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين بكثرة ذكره، ناهيًا لهم عن أن تشغلهم الأموال والأولاد عن ذلك، ومخبرًا لهم بأن من التهى بمَتاع الحياة الدُّنيا وزينتها عن طاعة ربه وذكره، فإنه مِن الخاسِرين الذين يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، ثم حثَّهم على الإنفاق في طاعته؛ فقال: ﴿ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [المنافقون: 10]، فكلُّ مُفرِّط يندم عند الاحتضار، ويسأل طول المدَّة ليستعتب ويستدرك ما فاته، وهيهات!
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله (لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ) يقول: لا توجب لكم أموالكم (وَلا أَوْلادُكُمْ) اللهو (عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ) وهو من ألهيته عن كذا وكذا، فلها هو يلهو لهوًا؛ ومنه قول امرئ القيس: وَمِثْلـكِ حُـبْلَى قـد طَـرَقَتُ وَمُرْضِعٍ فألْهَيْتُهَــا عَــنْ ذِي تَمَـائمَ مُحْـوِلِ (2) وقيل: عُنِي بذكر الله جلّ ثناؤه في هذا الموضع: الصلوات الخمس. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أَبي سنان، عن ثابت، عن الضحاك ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ) قال: الصلوات الخمس. وقوله: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ) يقول: ومن يلهه ماله وأولاده عن ذكر الله (فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) يقول: هم المغبونون حظوظهم من كرامة الله ورحمته تبارك وتعالى. ------------------------ الهوامش: (2) البيت لامرئ القيس. وقد سبق استشهاد المؤلف به في الجزء (17: 114) وشرحنا هناك شرحا مفصلا، فراجعه.
وقال في أهل الشقاء: وجعلناهم أئمة يهدون إلى النار 8. قال مجاهد رحمه الله: "لا يكون الرجل إماما حتى يأتم بالمتقين". وختاما؛ نجد أن هذه الآية الكريمة جامعة للكمال في الدين واستقامة للأحوال في الحياة. أية جامعة بين الغاية الإحسانية والغاية الاستخلافية. [1] سورة الفرقان، الآية 74. تفسير: (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما). [2] أخرجه الإمام مسلم رحمه الله. [3] سورة الطور، الآية: 21. [4] تفسير السعدي. [5] في ظلال القرآن. [6] سورة النمل، الآية: 62. [7] سورة الأنبياء. [8] سورة القصص. مواضيع ذات صلة
بتصرّف. ↑ "تعريف و معنى ربنا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي" ، ، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف. ↑ "تعريف و معنى هب في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي" ، ، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف. ↑ "تعريف و معنى أزواجنا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي" ، ، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف. ↑ "تعريف و معنى ذرياتنا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي" ، ، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف. ↑ "تعريف و معنى قرة في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي" ، ، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف. ↑ "تعريف و معنى أعين في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي" ، ، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف. ↑ "كتاب: إعراب القرآن الكريم" ، ، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف. ↑ سورة غافر، آية:60 ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن ثوبان مولى رسول الله، الصفحة أو الرقم:1517، صحيح.
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, قال: قال ابن جُرَيج, قوله: ( رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ) قال: يعبدونك يحسنون عبادتك, ولا يجرّون علينا الجرائر. حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ) قال: يسألون الله لأزواجهم وذرياتهم أن يهديهم للإسلام.