08:02 ص الخميس 10 سبتمبر 2015 قال تعالى: {قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ}.. [آل عمران: 41]. إن زكريا يطلب علامة على أن القول قد انتقل إلى فعل. {قَالَ رَبِّ أنى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ امرأتي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكبر عِتِيّاً قَالَ كذلك قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً}.. [مريم: 8- 9]. واذكر ربك كثيرا – لاينز. لقد كان هذا القول تأكيدا لا شك فيه، فبمجرد أن قال الرب فقد انتهى الأمر. فماذا يريد زكريا من بعد ذلك؟ إنه يطلب آية، أي علامة على أن يحيى قد تم إيجاده في رحم أمه، وما دامت المرأة قد كبرت فهي قد انقطع عنها الحيض، ولابد أنه عرف الآية لأنه يعرف مسبقا أنها عاقر. لكن زكريا لم يرغب أن يفوت على نفسه لحظة من لحظات هبات الله عليه، وما دام الحمل قد حدث فهنا كانت استغاثة زكريا، لا تتركني يارب إلى أن أفهم بالعلامات الظاهرة المحسة، لأنني أريد أن أعيش من أول نعمتك علىّ في إطار الشكر لك على النعمة، فبمجرد أن يحدث الإخصاب لابد أن أحيا في نطاق الشكر؛ لأن النعمة قد تأتي وأنا غير شاكر.
فلما أكد الله ذلك قال: (كذلك) ماذا تعني كذلك؟ إنها تعني أن الإنجاب سيأتي منك ومن زوجك وأنتما على حالكما، أنت قد بلغت من الكبر عتيا، وامرأتك عاقر. لأن العجيبة تتحقق بذلك، أكان من المعقول أن يردهما الله شبابا حتى يساعداه أن يهبهما الولد؟ لا. لذلك قال الحق: {كَذَلِكَ الله يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ}. واذكر ربك كثيرا وسبح. أي كما أنتما، وعلى حالتكما. لقد جعل الحق الآية ألا يكلم زكريا الناس ثلاثة أيام إلا بالإشارة، وقد يكون عدم الكلام في نظر الناس مرضا لا، إنه ليس كذلك، لأن الحق يقول له: {واذكر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بالعشي والإبكار} إن الحق يجعل زكريا قادرا على التسبيح، وغير قادر على الكلام. وهذه قدرة أخرى من طلاقة قدرة الله، إنه اللسان الواحد، غير القادر على الكلام، ولو حاول أن يتكلم لما استطاع، ولكن هذا اللسان نفسه- أيضا- يصبح قادرا فقط على التسبيح، وذكر الله بالعشيّ والإبكار، ذكر الله باللسان وسيسمعه الناس، وذلك بيان لطلاقة القدرة. وبعد ذلك ينتقل بنا الحق إلى مسألة أخرى تتعلق بمريم، لأن مريم هي الأصل في الكلام، فالرزق الذي كان يأتيها من الله بغير حساب هو الذي نبه سيدنا زكريا إلى طلب الولد، وجاء الحق لنا بقصة زكريا والولد، ثم عاد إلى قصة مريم: {وَإِذْ قَالَتِ الملائكة يامريم إِنَّ الله اصطفاك... }.
ولنا أن نتخيل يا ترى كم من الأوقات والساعات والدقائق تمر علينا وربما لا نذكر فيها اسم الله سبحانه وتعالى إلا قليلًا على الرغم من أن الله تعالى قد جعل ذكره قليلًا صفة من صفات النفاق وعاب على المنافقين أنهم يغفلون عن ذكره ولا يذكرونه إلا قليلًا. ورغم ذلك تمر الساعات والدقائق واللحظات من أعمارنا ولا نكاد نذكر الله سبحانه وتعالى ربما إلا في صلاة حين يحين وقت الصلاة في حين أن المطلوب من هذه العبادة العظيمة أن نذكر الله عز وجلّ ذكرًا كثيرًا، ذكرًا بالقلب وباللسان وبالجوارح حتى يصبح الإنسان ذاكرًا لربه مخبتًا منيبًا خاشعًا له سبحانه.
وعلى مستوى قضية الأمة المركزية، قضية فلسطين.. يخوفونك بالذين من دونه ۲. نرى من بين قومنا من العرب والفلسطينيين من يدَّعي الواقعية، ولا يكتفي بالتخلي عن الحقوق العربية والفلسطينية الأصيلة ومناصرة المجاهدين، بل يدعو الأمة والمجاهدين إلى إلقاء السلاح والتسليم للكيان الغاصب بما تحت يده، والرضا بالفتات الذي يتفضَّل بمنحنا إياه، ويصف مقاومة هذا العدوان الأثيم بالعبثية، مغمضًا عينيه عن الانتصار الرائع الذي حققه المجاهدون الذين لم يخافوا في الله لومة لائم، ولم ترهبهم قوة العدو ولا جيشه "الذي لا يقهر"، كما زعموا. وإذ يخوِّفنا هؤلاء المستسلمون باستئصال العدوِّ لرجالنا ونسائنا وقرانا وبيوتنا؛ فإن المجاهدين يردِّدون ما يردِّده عنترة بن شداد: بَكَرَتْ تخوِّفني الحُتُوفَ كأنَّني أَصْبَحْتُ عَنْ عَرَضِ الحُتُوفِ بِمَعْزِلِ فأَجَبْتُها: إِنَّ المَنِيِّةَ مَنْهَلٌ لا بُدِّ أَنْ أُسْقَى بذاكِ المَنْهَلِ فأقْنَيْ حَياءَكِ لا أَبا لَكِ واعلمي أَني امْرُؤٌ سَأَمُوتُ إِن لَّم أُقْتَلِ وإن تعجب فعجبٌ أولئك المخذِّلون وإخوانهم من اليهود؛ الذين يطالبون المقاومة المجاهدة في فلسطين بانتهاز الفرصة والرضا بما يقدمه المجرم أولمرت في صفقة شاليط، قبل أن يأتيهم المجرم نتنياهو الذي يخوِّفونهم بأنه لن يستمر(! )
يبدِّلون القيم، ويروِّعون الآمنين، وينشرون الفساد والباطل والضلال، ويخنقون صوت الحق والرشد والعدل، ويقيمون أنفسهم آلهةً في الأرض، تحمي الشر وتحارب الخير، دون أن يجرؤ أحد على مناهضتهم، بل دون أن يجرؤ أحد على كشف الباطل الذي يروِّجون له، وجلاء الحق الذي يطمسونه. ومن هنا يعرِّف الله المؤمنين الحقيقة، حتى لا يرهبوا أولياء الشيطان ولا يخافوهم؛ فهم وهو أضعف من أن يخافهم مؤمن يركن إلى ربه ويستند إلى قوته، قال تعالى: ﴿فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾؛ أي إذا خوَّفكم الشيطان بهم أو منهم فتوكَّلوا عليَّ والجؤوا إليَّ، فإني كافيكم وناصركم عليهم، يعني أن الإيمان يقتضي أن تؤثِروا خوف الله على خوف الناس. إن القوة الوحيدة التي تُخشَى وتُخاف هي القوة التي تملك النفع والضر.. يخوفونك بالذين من دونه پسر دارم من. هي قوة الله، وهي القوة التي يخشاها المؤمنون بالله، وهم حين يخشونها وحدها لا تقف امامهم قوة في الأرض، لا قوة الشيطان ولا قوة أولياء الشيطان. فكم وكم من الناس الذين يلجأون لغير الله ويعتمدون على غير الله ويستجيرون بغير الله ويدعون غير الله من البشر، يدعون الأنبياء والأولياء أمواتاً وأحياءً وهم يقرأون القرآن ويجودونه ويقرؤون في جملته قوله جل وعلا (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) ولكن يخِرُّون عليها صماً وعمياناً، هؤلاء يضلهم الله تعالى بضلالهم، هم الذين اختاروا الضلالة والغواية والتكذيب ، ولذلك يقول سبحانة تعـالى) وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ.
الرئيسة الدروس وقفات مع قوله تعالى وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن... سورة الزمر آية 36 الشيخ عبدالرحمن سلمه الله رؤيته وهو يلقي المحاضرة، يعطي المحاضرة تأثيرا من نوع آخر!. 33 1 5, 689 التصنيف: المصدر: تاريخ ومكان الإلقاء: جامع الحسون بالدمام 5-1-1436هـ الموافق 28-10-2014م الوسوم: مواضيع متعلقة...