فقالت له: يا عبد الله – اترك الخلق للخالق فلله تعالى في خلقه شؤون، فقال لها ابن المبارك: ناشدتك الله أن تخبريني بأمرك.. فقالت المرأة له: أما وقد أقسمت عليّ بالله.. فلأخبرنَّك: إن الله قد أحل لنا الميتة، وأنا أرملة فقيرة وأم لأربع بنات ولا يوجد من يكفلنا، وطرقت أبواب الناس فلم أجد للناس قلوبًا رحيمة فخرجت ألتمس عشاء لبناتي اللاتي أحرق لهيب الجوع أكبادهن فرزقني الله هذه الميتة.. أفمجادلني أنت فيها؟، وهنا بكى عبدالله ابن المبارك، وقال لها: خذي هذه الأمانة وأعطاها المال كله الذي كان ينوي به الحج وعاد إلى بيته ولازمه طوال فترة الحج. وخرج الحجاج من بلده فأدوا فريضة الحج، ثم عادوا، وذهبوا لزيارته في بيته ليشكروه على إعانته لهم طوال فترة الحج، فقالوا له: رحمك الله يا ابن المبارك ما جلسنا مجلسًا إلا أعطيتنا مما أعطاك الله من العلم، ولا رأينا خيرًا منك في تعبدك لربك في الحج هذا العام. فتعجب ابن المبارك من قولهم، واحتار في أمره وأمرهم، فهو لم يفارق البلد، ولكنه لايريد أن يفصح عن سره، ونام ليلته وهو يتعجب مما حدث، وفي المنام يرى رجلا يشرق النور من وجهه يقول له: السلام عليك يا عبدالله ألست تدري من أنا؟ أنا محمد رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- أنا حبيبك في الدنيا وشفيعك في الآخرة جزاك الله عن أمتي خيرًا.. من هو التابعي - الموقع المثالي. يا عبد الله بن المبارك، لقد أكرمك الله كما أكرمت أم اليتامى.. وسترك كما سترت اليتامى، إن الله – سبحانه وتعالى – خلق ملكاً على صورتك.. كان ينتقل مع أهل بلدتك في مناسك الحج.. وإن الله تعالى كتب لكل حاج ثواب حجة وكتب لك أنت ثواب سبعين حجة.
اهـ.. وروى الصَّيْمَري الحنفي في كتاب أخبار أبي حنيفة وأصحابه عن أبي نعيم قال: ولد أبو حنيفة سنة ثمانين، وتوفي سنة خمسين ومائة، ورأى أنس بن مالك سنة خمس وتسعين وسمع منه. اهـ.. والصحيح أن أنسا رضي الله عنه مت قبل ذلك، سنة 93 أو قبلها. وانظر الفتوى رقم: 54708. والمقصود أن الإمام أبا حنيفة - رحمه الله - من التابعين، لأنه لقي بعض الصحابة، ولكن لم تصح روايته عن أحد منهم. قال السيوطي في تبييض الصحيفة بمناقب أبي حنيفة: قال حمزة السهمي: سمعت الدارقطني يقول: "لم يلق أبو حنيفة أحدا من الصحابة إلا إنه رأى أنسا بعينه ولم يسمع منه".... ووقفت على فتيا رفعت إلى الشيخ ولي الدين العراقي صورتها: هل روى أبو حنيفة عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل يعد هو من التابعين أم لا؟ فأجاب بما نصه: "الإمام أبو حنيفة لم يصح له رواية عن أحد من الصحابة، وقد رأى أنس بن مالك، فمن يكتفي في التابعي بمجرد رؤية الصحابي يجعله تابعيا، ومن لا يكتفي بذلك لا يعده تابعيا". ورفع السؤال إلى الحافظ ابن حجر فأجاب بما نصه: "أدرك أبو حنيفة جماعةً من الصحابة؛ لأنه ولد بالكوفة سنة ثمانين من الهجرة، وبها يومئذٍ: عبد الله بن أبي أوفى، فإنه مات بعد ذلك بالاتفاق.
علي كل حال اذن الله لدولة بني امية ان تزول وحق عليهم قول الله تعالي: (يخربون بيوتهم بايديهم) ولم نبعد عن الصواب حين قلنا ان مقتل الوليد علي ايدي ابناء عمومته كان بداية النهاية لدولتهم ولم يجتمع لهم كلمة بعده كما حذرهم الوليد نفسه ولقد حاول بعض ابناء بني امية مثل العباس بن الوليد اخو يزيد قائد الثورة علي الوليد ، ومروان بن محمد ان يوقفوا التدهور الذي آل اليه بني أمية وأن يمنعوا الثورة علي الوليد لكنهم فشلوا في ذلك واستطاع الثوار الإحاطة بالوليد في قصره في قرية تسمي البخراء علي بعد أميال من تدمر وقتلوه في أواخر جمادي الآخرة سنة 126 هـ. وجاء مقتله دليلا علي حالة الانهيار الذي وصل اليه ابناء البيت الاموي الذين فقدوا كل احساس بالمحافظة علي دولتهم والاخطار التي كانت تحدق بها من كل جانب ولقد سهلوا بعملهم هذا لأعدائهم القضاء علي دولتهم وعليهم جميعا في مدي ثلاثة سنوات بعد مقتل الوليد بن يزيد. ـ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ -انظر ترجمته في تاريخ خليفة بن خياط ص363 وتارخ اليعقوبي جـ 2 ص331 والطبري جـ7 ص8 وسير اعلام النبلاء للذهبي جـ5 ص370 -الكامل في التاريخ جـ5 ص289. - المصدر السابق جـ 5 ص287.
مصعب الزبيري ، عن أبيه قال: كنت عند المهدي ، فذكر الوليد بن يزيد ، فقال رجل: كان زنديقا ، قال: مه ، خلافة الله أجل من أن يجعلها في زنديق. الوليد بن هشام القحذمي ، عن أبيه قال: لما أحاطوا بالوليد ، نشر [ ص: 373] المصحف ، وقال: أقتل كما قتل ابن عمي عثمان.
الوليد بن يزيد ابن عبد الملك بن مروان بن الحكم الخليفة أبو العباس الدمشقي الأموي. [ ص: 371] ولد سنة تسعين. وقيل: سنة اثنتين وتسعين. ووقت موت أبيه كان للوليد نيف عشرة سنة ، فعقد له أبوه بالعهد من بعد هشام بن عبد الملك ، فلما مات هشام ، سلمت إليه الخلافة. قال أحمد بن حنبل في " مسنده ": حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا ابن عياش ، حدثني الأوزاعي وغيره ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن عمر قال: ولد لأخي أم سلمة ولد ، فسموه الوليد ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- سميتموه بأسماء فراعنتكم ، ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له الوليد ، لهو أشد لهذه الأمة من فرعون لقومه رواه الوليد ، والهقل وجماعة ، عن الأوزاعي ، فأرسلوه وما ذكروا عمر ، وفي لفظ لهو أضر على أمتي وجاء بإسناد ضعيف سيكون في الأمة فرعون ، يقال له: الوليد. قال مروان بن أبي حفصة: قال لي الرشيد: صف لي الوليد ، قلت: كان من أجمل الناس ، وأشعرهم ، وأشدهم. قال الليث: حج الوليد وهو ولي عهد سنة ست عشرة. وللوليد من البنين عثمان والحكم المذبوحين في الحبس ويزيد والعباس ، وعدة بنات. الواقدي: حدثنا ابن أبي الزناد ، عن أبيه: كان الزهري يقدح أبدا عند هشام في الوليد ، ويذكر أمورا عظيمة ، حتى يذكر الصبيان ، وأنه يخضبهم ، ويقول: يجب خلعه ، فلا يقدر هشام ، ولو بقي الزهري لفتك به الوليد.
١٠ - الوليد بن يزيد بن عبدالملك (١٢٥ - ١٢٦هـ): هو أول حفيد من أحفاد «عبدالملك بن مروان» يتولى الخلافة، طبقًا لنظام الوراثة الذى سار عليه الأمويون، إذ عَهِدَ «يزيد بن عبدالملك» إلى ابنه بالخلافة بعد أخيه «هشام بن عبدالملك». وتُعد خلافة «الوليد بن يزيد» بداية النهاية للدولة الأموية، وطليعة سقوطها؛ لأنه كان على شاكلة أبيه لهوًا ولعبًا، وإذا كان أبوه قد رزق من يعوض نقص كفاءته فى الحفاظ على سلامة الدولة، من إخوته وأبناء عمومته، فإن «الوليد» لم يجد مثل هذا النوع من أفذاذ الرجال، بل ثار عليه أبناء عمومته من أبناء «الوليد بن عبدالملك» وأخيه «هشام» ، وشهد عصره أول انقسام داخلى بين الأسرة الأموية وأشده خطرًا. وقد حاول «الوليد» استرضاء الجند بزيادة رواتبهم، واستمالة الناس بزيادة أعطياتهم من الأموال الكثيرة التى تركها له عمه «هشام بن عبدالملك» فى خزانة الدولة، لكن ذلك لم يمنع الثائرين عليه من أبناء عمومته بزعامة «يزيد بن الوليد» من تلطيخ سمعته واتهامه بالفسق والفجور، والمبالغة فى تلك التهم والتشهير به؛ لأن «ابن الأثير» يقول: «إن الوليد لم يكن على هذه الدرجة من السوء، غير أن خصومه نجحوا فى خطتهم، وقتلوه فى جمادى الآخرة سنة (١٢٦هـ) ، فاتحين بذلك أبواب الشر على الدولة من كل جانب، مفجِّرين الثورات والفتن فى كل مكان».
هو الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، أبو العباس الأموي. أمه: ولادة بنت العباس بن حزن بن الحارث بن زهير العبسي، كان مولده سنة خمسين. بويع له بالخلافة بعد أبيه بعهد منه في شوال سنة 86هـ، وكان أكبر ولده والوالي من بعده. أخلاق الوليد بن عبد الملك وعلمه حرص عبد الملك على تربية أولاده تربية إسلامية، كما كان يحثهم على الرجولة ومكارم الأخلاق، وقد أَوْلَى ابنه الوليد عناية خاصة، وكان يحثه على تعلم العربية وإتقانها، وكان يقول: " لا يلي العرب إلا من يحسن لغتهم ". فجمع الوليد جماعة من أهل النحو أقاموا عنده سنة، وقيل: ستة أشهر فلم يؤثر ذلك في إتقانه للنحو، فقال عبد الملك: قد أجهد وأعذر. وقد شَبَّ الوليد على الصلاح والتقوى، وحب القرآن والإكثار من تلاوته، وحثّ الناس على حفظه، وإجازتهم على ذلك، فيروى أن إبراهيم بن أبي عبلة قال: قال لي الوليد يومًا: في كم تختم القرآن؟ فقلت: في كذا وكذا، فقال: أمير المؤمنين على شغله يختمه في كل ثلاث -وقيل في كل سبع- قال: وكان يقرأ في شهر رمضان سبع عشرة ختمة. قال إبراهيم: رحم الله الوليد، وأين مثله؟ بنى مسجد دمشق، وكان يعطيني قطع الفضة فأقسمها على قُرَّاء بيت المقدس".
والطاعة رأس هذا الأمر وذِرْوته وسنامه ومِلاكه وزمامه، وعصمته وقوامه بعد كلمة الإخلاص التي ميّز الله بها بين العباد، وبالطاعة نال المفلحون من الله منازلهم، واستوجبوا عليه ثوابهم، وفي المعصية مما يحلّ بغيرهم من نقماته، ويُصيبهم عليه، ويحقُّ من سخطه وعذابه، وبترك الطاعة والإضاعة لها والخروج منها والإدبار عنها والتبذّل [للمعصية] بها، أهلك الله مَن ضلّ وعَتا، وعمى وغلا، وفارق مناهج البرّ والتقوى. فالزموا طاعة الله فيما عَراكم ونالكم؛ وألَمَّ بكم من الأمور وناصحوها واستوثقوا عليها، وسارعوا إليها وخالصوها، وابتغوا القُرْبة إلى الله بها؛ فإنكم قد رأيتم مواقع الله لأهلها في إعلائه إياهم، وإفلاجه (١) حجّتهم، ودفعه باطل مَنْ حادّهم وناوأهم وساماهم، وأراد إطفاء نور الله الذي معهم، وخُبّرتُم مع ذلك ما يصير إليه أهل المعصية من التَّوبيخ لهم والتقصير بهم؛ حتى يؤولَ أمرُهم إلى تبار وصَغار، وذلة وبوار، وفي ذلك لمن كان له رأي وموعظة عبرة يُنتفع بواضحها، ويتمسَّك بحظوتها؛ ويعرف خيرة قضاء الله لأهلها. ثم إن الله - وله الحمد والمنّ والفضل - هدي الأمة لأفضل الأمور عاقبةً لها في حَقْن دمائها، والتئام ألفتها، واجتماع كَلِمتها، واعتدال عَمُودها، وإصلاح دهمائها (٢).