وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ فيه أربع مسائل الأولى: قوله تعالى: {وكذلك أوحينا إليك} أي وكالذي أوحينا إلى الأنبياء من قبلك أوحينا إليك {روحا} أي نبوة؛ قاله ابن عباس. الحسن وقتادة: رحمة من عندنا. السدي: وحيا. الكلبي: كتابا. الربيع: هو جبريل. الضحاك: هو القرآن. وهو قول مالك بن دينار. وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ...... وسماه روحا لأن فيه حياة من موت الجهل. وجعله من أمره بمعنى أنزل كما شاء على من يشاء من النظم المعجز والتأليف المعجب. ويمكن أن يحمل قوله: {ويسألونك عن الروح} [الإسراء: 85] على القرآن أيضا {قل الروح من أمر ربي} [الإسراء: 85] أي يسألونك من أين لك هذا القرآن، قل إنه من أمر الله أنزل علي معجزا؛ ذكره القشيري. وكان مالك بن دينار يقول: يا أهل القرآن، ماذا زرع القرآن في قلوبكم ؟ فإن القرآن ربيع القلوب كما أن الغيث ربيع الأرض. الثانية: قوله تعالى: {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان} أي لم تكن تعرف الطريق إلى الإيمان. وظاهر هذا يدل على أنه ما كان قبل الإيحاء متصفا بالإيمان.
فطريق الحصر أن يقال: وصول الوحي من الله إلى البشر إما أن يكون من غير واسطة مبلغ أو يكون بواسطة مبلغ ، وإذا كان الأول وهو أن يصل إليه وحي الله لا بواسطة شخص آخر فههنا إما أن يقال إنه لم يسمع عين كلام الله ، أو يسمعه ، أما الأول وهو أنه وصل إليه الوحي لا بواسطة شخص آخر وما سمع عين كلام الله فهو المراد بقوله ( إلا وحيا). وأما الثاني: وهو أنه وصل إليه الوحي لا بواسطة شخص آخر ولكنه سمع عين كلام الله فهو المراد من قوله ( أو من وراء حجاب). إسلام ويب - تفسير الكشاف - سورة الشورى - تفسير قوله تعالى وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان- الجزء رقم5. وأما الثالث: وهو أنه وصل إليه الوحي بواسطة شخص آخر ، فهو المراد بقوله ( أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء) واعلم أن كل واحد من هذه الأقسام الثلاثة وحي ، إلا أنه تعالى خصص القسم الأول باسم الوحي ، لأن ما يقع في القلب على سبيل الإلهام فهو يقع دفعة ، فكان تخصيص لفظ الوحي به أولى ، فهذا هو الكلام في تمييز هذه الأقسام بعضها عن بعض. المسألة الثانية: القائلون بأن الله في مكان احتجوا بقوله ( أو من وراء حجاب) وذلك لأن التقدير: وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا على أحد ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون الله من وراء حجاب ، وإنما يصح ذلك لو كان مختصا بمكان معين وجهة معينة. والجواب: أن ظاهر اللفظ وإن أوهم ما ذكرتم إلا أنه دلت الدلائل العقلية والنقلية على أنه تعالى يمتنع حصوله في المكان والجهة ، فوجب حمل هذا اللفظ على التأويل ، والمعنى أن الرجل إذا سمع كلاما مع أنه لا يرى ذلك المتكلم كان ذلك شبيها بما إذا تكلم من وراء حجاب ، والمشابهة سبب لجواز المجاز.
{ { وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}} أي: تبينه لهم وتوضحه، وتنيره وترغبهم فيه، وتنهاهم عن ضده، وترهبهم منه، ثم فسر الصراط المستقيم فقال: { { صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}} أي: الصراط الذي نصبه الله لعباده، وأخبرهم أنه موصل إليه وإلى دار كرامته، { { أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ}} أي: ترجع جميع أمور الخير والشر، فيجازي كُلًّا بحسب عمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. #أبو_الهيثم #مع_القرآن 2 21, 349
[ ص: 161] المسألة الثالثة: قالت المعتزلة: هذه الآية تدل على أنه تعالى لا يرى ، وذلك لأنه تعالى حصر أقسام وحيه في هذه الثلاثة ، ولو صحت رؤية الله تعالى لصح من الله تعالى أنه يتكلم مع العبد حال ما يراه العبد ، فحينئذ يكون ذلك قسما رابعا زائدا على هذه الأقسام الثلاثة ، والله تعالى نفى القسم الرابع بقوله ( وما كان لبشر أن يكلمه الله) إلا على هذه الأوجه الثلاثة. والجواب: نزيد في اللفظ قيدا ، فيكون التقدير: وما كان لبشر أن يكلمه الله في الدنيا إلا على أحد هذه الأقسام الثلاثة ، وحينئذ لا يلزم ما ذكرتموه ، وزيادة هذا القيد وإن كانت على خلاف الظاهر لكنه يجب المصير إليها للتوفيق بين هذه الآيات وبين الآيات الدالة على حصول الرؤية في يوم القيامة ، والله أعلم. المسألة الرابعة: أجمعت الأمة على أن الله تعالى متكلم ، ومن سوى الأشعري وأتباعه أطبقوا على أن كلام الله هو هذه الحروف المسموعة والأصوات المؤلفة ، وأما الأشعري وأتباعه فإنهم زعموا أن كلام الله تعالى صفة قديمة يعبر عنها بهذه الحروف والأصوات.
{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} * { صِرَاطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ} يعني تعالى ذكره بقوله: { وكَذلكَ أوْحَيْنا إلَيْكَ رُوحاً مِنْ أمْرِنا} وكما كنا نوحي في سائر رسلنا، كذلك أوحينا إليك يا محمد هذا القرآن، روحاً من أمرنا: يقول: وحياً ورحمة من أمرنا. واختلف أهل التأويل في معنى الروح في هذا الموضع، فقال بعضهم: عنى به الرحمة. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن الحسن في قوله: { رُوحاً مِنْ أمْرِنا} قال: رحمة من أمرنا. وقال آخرون: معناه: وحياً من أمرنا. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: { وكَذلكَ أوْحَيْنا إلَيْكَ رُوحاً مِنْ أمْرِنا} قال: وحياً من أمرنا. وقد بيَّنا معنى الروح فيما مضى بذكر اختلاف أهل التأويل فيها بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
الثاني: أن الإيمان إنما يعني به التصديق بالله تعالى وبرسوله عليه الصلاة والسلام دون التصديق بالله عز وجل ودونما يدخل فيه الأعمال والنبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم مخاطب بالإيمان برسالة نفسه كما أن أمته صلى الله تعالى عليه وسلم مخاطبون بذلك ، ولا شك أنه قبل الوحي لم يكن عليه الصلاة والسلام يعلم أنه رسول الله وما علم ذلك إلا بالوحي ، فإذا كان الإيمان هو التصديق بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ولم يكن هذا المجموع ثابتا قبل الوحي ، بل كان الثابت هو التصديق بالله تعالى خاصة المجمع على اتصاف الأنبياء عليهم السلام به قبل البعثة استقام نفي الأيمان قبل الوحي ، وإلى هذا ذهب ابن المنير. الثالث: أن المراد شرائع الإيمان ومعالمه مما لا طريق إليه إلا السمع ، وإليه ذهب محي السنة البغوي وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل الوحي على دين إبراهيم عليه السلام ولم تتبين له عليه الصلاة والسلام شرائع دينه ، ولا يخفى أنه إذا لم يعتبر كون الكلام على حذف مضاف يلزمه إطلاق الإيمان على الأعمال وحدها وهو خلاف المعروف. الرابع: أن الكلام على تقدير مضاف فقيل التقدير دعوة الإيمان أي ما كنت تدري كيف تدعو الخَلْقَ إلى الإيمان ، وإليه يشير كلام أبي العالية.