وليس واضحاً أن مناصري «الجيش الوطني» بقيادة المشير خليفة حفتر، قاموا بشيء مماثل لما قام به الأتراك خلال تلك الفترة. لكن، كما هو معروف، نجحت أنقرة، وهي عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في قلب موازين المعركة التي كانت تدور في الضواحي الجنوبية لمدينة طرابلس، وفي مناطق مختلفة من غرب ليبيا. فقد تمكنت قوات «الوفاق»، خلال مايو (أيار) الماضي، من إرغام «الجيش الوطني الليبي» على الانسحاب من كل مواقعه في غرب البلاد. ونفى «الجيش الوطني» مراراً مزاعم عن وجود مرتزقة روس من «مجموعة فاغنر» كانوا يقاتلون إلى جانبه في غرب ليبيا وانسحبوا بدورهم نحو قاعدة الجفرة ومدينة سرت التي تحوي بدورها قاعدة جوية ضخمة هي قاعدة القرضابية. وتتبنى الولايات المتحدة، من جهتها، صحة المزاعم بخصوص «فاغنر»، ووزعت قيادتها الخاصة بأفريقيا (أفريكوم) صور أقمار صناعية ومقاطع فيديو تشير إلى وصول 14 طائرة حربية من طرازي «ميغ 29» و«سوخوي 24» إلى ليبيا بعدما تم الطيران بها من روسيا (مع توقف في قاعدة حميميم بسوريا). ابداع الله هدوء وسكينة تنفع قبل النوم. وتقول «أفريكوم»، في هذا المجال، إن هذه الطائرات يقودها طيارون تابعون لـ«فاغنر» وأنها تشارك في العمليات القتالية على محوري سرت والجفرة.
وهكذا، سارعت أنقرة إلى نشر منظومات صاروخية في قاعدة الوطية الجوية (قاعدة عقبة بن نافع) التي كانت فيما مضى نقطة أساسية لقوات المشير حفتر في المنطقة الغربية قرب الحدود مع تونس. لكن مع وصول الصواريخ التركية إلى الوطية وقبل البدء في تشغيلها (ومعها منظومة رادار مرتبطة بها)، شنت طائرات مجهولة ليلة 5 يوليو (تموز) الجاري غارات على القاعدة أدت، كما يبدو، إلى تدمير كامل التجهيزات التركية. أقرت تركيا بأن الغارات استهدفت معدات أرسلتها إلى الوطية، لكنها تكتمت، كعادتها، عن الإفصاح عن أي معلومات مفصلة تتعلق بحجم خسائرها. في المقابل، قالت حكومة «الوفاق» إن الهجوم على الوطية نفذه «طيران أجنبي» من نوع «ميراج 2000-9» المتطورة، وهو ما يكشف، إذا ما تأكد، سر النجاح في تدمير المنظومة الصاروخية التركية بكاملها، وهو أمر ربما ما كانت ستستطيع القيام به الطائرات روسية الصنع من طراز «سوخوي 24» التي تقول قيادة (أفريكوم) إن «مجموعة فاغنر» نشرتها في ليبيا. والـ«سوخوي 24» هي طائرة قاذفة لكنها غير معروفة بدقة إصابتها. أما الطائرات الأخرى التي تنشرها «فاغنر» في ليبيا، بحسب «أفريكوم»، فهي من طراز «ميغ 29»، وهي مقاتلات اعتراضية رغم أن بعضها يتم تزويده بصواريخ جو - أرض.
وبما أنها ذاقت مرارة التقدم دون غطاء جوي نحو سرت فإنها، كما يبدو، لم تحاول التقدم جنوباً لأنه يعني أيضاً قطعها مسافات طويلة في مناطق مكشوفة في الصحراء. ولحكومة «الوفاق» مناطق انتشار محدودة في جنوب ليبيا حيث تسيطر قوات موالية لها على حقل الفيل النفطي قرب وادي الحياة (في حوض مرزق بجنوب غربي ليبيا). لكن انتشارها الأساسي يمتد عبر شريط طويل يبدأ في الجبل الغربي ويصل إلى أطراف منطقة براك الشاطئ شمال سبها، كبرى حواضر الجنوب الليبي. وسُجّل في الساعات الماضية أول تحرك لقوات «الوفاق» في الجنوب في اختبار لـ«الخطوط الحمر» التي قد تكون مرسومة هناك أيضاً. إذ تقدمت هذه القوات في منطقة مشروع الدبوات التي تبعد 40 كلم من مدينة براك الشاطئ ومطارها. وهنا أيضاً تعرضت قوات «الوفاق» لقصف جوي، ما يوحي بأن هناك خطاً أحمر محتملاً يمنع أي تغيير في خريطة الانتشار الحالية للقوات الليبية المتحاربة. ومعروف، في هذا المجال، أن الإعلام الموالي لحكومة «الوفاق» يقول إن فرنسا تنشر قوات في الجنوب الليبي، لكن ذلك لا يمكن تأكيده. وللفرنسيين اهتمام واضح بمنع انتشار جماعات متشددة، مثل «القاعدة» و«داعش»، في الصحراء الليبية مترامية الأطراف، كون ذلك يؤثر على جهود جيشها الذي يخوض حرباً ضد هذين التنظيمين في منطقة الساحل الأفريقي.