انتهى. وقال النووي رحمه الله: أَيْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُبْغِضَهَا، لِأَنَّهُ إِنْ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا يُكْرَهُ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا مَرْضِيًّا بِأَنْ تَكُونَ شَرِسَةَ الْخُلُقِ لَكِنَّهَا دَيِّنَةٌ أَوْ جَمِيلَةٌ أَوْ عَفِيفَةٌ أَوْ رَفِيقَةٌ بِهِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. انتهى. لا يفرك مؤمن مؤمنة الدرر السنية. ومن كان منصفاً ووازن بين صفات المرأة فغلبت سيئاتها حسانتها، فلا حرج عليه في بغضها حينئذ، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر ـ الفرك: يعني البغضاء والعداوة، يعني لا يعادي المؤمن المؤمنة كزوجته مثلاً، لا يعاديها ويبغضها إذا رأى منها ما يكرهه من الأخلاق، وذلك لأن الإنسان يجب عليه القيام بالعدل، وأن يراعي المعامل له بما تقتضيه حاله، والعدل أن يوازن بين السيئات والحسنات، وينظر أيهما أكثر، وأيهما أعظم وقعاً، فيغلب ما كان أكثر وما كان أشد تأثيراً، هذا هو العدل.. والله أعلم.
الفائدة الثانية: وهي زوال الهم والقلق، وبقاء الصفاء، والمداومة على القيام بالحقوق الواجبة والمستحبة، وحصول الراحة بين الطرفين، ومن لم يسترشد بهذا الذي ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- -بل عكس القضية فلحظ المساوئ، وعمي عن المحاسن- فلابد أن يقلق، ولابد أن يتكدر ما بينه وبين من يتصل به من المحبة، ويتقطع كثير من الحقوق التي على كلٍ منهما المحافظة عليها. وكثير من الناس ذوي الهمم العالية يوطنون أنفسهم عند وقوع الكوارث والمزعجات على الصبر والطمأنينة. لكن عند الأمور التافهة البسيطة يقلقون، ويتكدر الصفاء، والسبب في هذا أنهم وطنوا نفوسهم عند الأمور الكبار، وتركوها عند الأمور الصغار فضرتهم وأثرت في راحتهم، فالحازم يوطن نفسه على الأمور القليلة والكبيرة ويسأل الله الإعانة عليها، وأن لا يكله إلى نفسه طرفة عين، فعند ذلك يسهل عليه الصغير، كما سهل عليه الكبير. ويبقى مطمئن النفس ساكن القلب مستريحاً. " 2 فليس هناك ما يبعث على الكره التام؛ فإن كانت خصلة نقص فثمة خصال كمال، وإن كانت خلة عيب فثمة خلال منافذ كثيرة. الدرر السنية. يقول ابن كثير -رحمه الله- في قوله تعالى: ** وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ **"أي: طيِّبُوا أقوالكم لهن، وحَسّنُوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثله، كما قال تعالى: ** وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ** (228) سورة البقرة.
11 وعلى الزوجين أن يكونا لبعضهما كما كان أبو الدرداء وأم الدرداء -رضي الله عنهما- كانت إذا غضب سكتت واسترضته، وإذا غضبت سكت واسترضاها، وكان هذا منهجاً انتهجاه من يوم زواجهما، وياله من منهج حكيم، فكم من البيوت هدمت، وكم من الأسر انهارت بسبب غضب الزوجين معاً وعدم تحمل أحدهما للآخر. مع أنهما يعرفان جيداً أنهما بشر، ومن طبيعة البشر الخطأ والنقص، فإن وقع الخطأ والتقصير من أحد الزوجين في حق الطرف الآخر -إذا كان من الأمور الدنيوية- فعلى الطرف الآخر الصفح والعفو، فلا ينسى حسنات دهر أمام زلة يوم، وعليهما أن يغضا الطرف عن الهفوات الصغيرة مع التنبيه بأسلوب لطيف ليس فيه جرح للكرامة أو إهانة؛ ولهذا نهى النبي-صلى الله عليه وسلم- أن يطرق الرجل أهله ليلاً، وأن يتخونهم أو يلتمس عثراتهم، 12 وكان هذا أسلوب النبي-صلى الله عليه وسلم-. لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً | موقع نصرة محمد رسول الله. وقد روي أن رجلاً جاء إلى عمر رضي الله عنه يشكو خلق زوجته فوقف على باب عمر ينتظر خروجه، فسمع امرأة عمر تستطيل عليه بلسانها وتخاصمه وعمر ساكت لا يرد عليها، فانصرف الرجل راجعاً وقال: إن كان هذا حال عمر -مع شدته وصلابته- وهو أمير المؤمنين فكيف حالي! فخرج عمر فرآه مولياً عن بابه فناداه وقال: ما حاجتك يا رجل، فقال: يا أمير المؤمنين جئت أشكو إليك سوء خلق امرأتي واستطالتها علي فسمعت زوجتك كذلك فرجعت، وقلت: إذا كان حال أمير المؤمنين مع زوجته فكيف حالي، فقال عمر: يا أخي إني احتملتها لحقوق لها علي إنها طباخة لطعامي، خبازة لخبزي، غسالة لثيابي مرضعة لولدي وليس ذلك كله بواجب عليها، ويسكن قلبي بها عن الحرام، فأنا أحتملها لذلك، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين وكذلك زوجتي، فقال عمر: فاحتملها يا أخي، فإنما هي مدة يسيرة.
أي وعاشروهن حال كون المعاشرة قائمة على المعروف ومبنية عليه. وقوله – جلا وعلا -: { فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ} معناه. إن كرهتم شيئاً فيهن يتعلق بأوصافهن الخلقية والخلقية { فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}. وهو وعد مؤكد لا شك فيه، فإن "عسى" في جانب الله ليست للرجاء فحسب وإنما هي للترجية، والترجية من الله وعد، والله لا يخلف الميعاد، وكذلك "لعل" فإنها في جانب الله للتحقيق أيضاً. كقوله تعالى: { لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} (سورة الطلاق:1). والخير كلمة واسعة الدلالة في حصول منتهى البغية، فهو من الألفاظ التي لا تقف معانيها عند حد كالإحسان والبر والتعاون ونحوها من الكلمات المبسوطة في القرآن والسنة وكتب اللغة. وانظر كيف وصف الله "الخير" في الآية بالكثرة، فإن هذا الوصف توكيد لحصول الخيرية، وتعميق لمفهومهما. شرح وترجمة حديث: لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر. أو قال: غيره - موسوعة الأحاديث النبوية. والمعنى: - أنه ما عاشر امرأته بالمعروف، وعاشرته بالمعروف، وكره أحد الزوجين من الآخر شيئاً فصبر واحتسب أجره على الله – تعالى – فإن الله – جلت قدرته – سيجعل لمن صبر واحتسب منهما خيراً يلقاه في الدنيا، ويلقاه في الآخرة. ولو فهم الناس هذه الآية على هذا الوجه الذي ذكرته ما وسعهم إلا أن يصبروا على ما ابتلاهم الله به، ويرضوا كل الرضى بقضائه وقدره، ويشكروه ما استطاعوا على وافر نعمه وواسع فضله.
8739 2008/07/09 2022/04/29 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَفْرِك مؤمنٌ مؤمنةً؛ إن كره منها خُلقاً رضي منها آخر" رواه مسلم. هذا الإرشاد من النبي صلى الله عليه وسلم ، للزوج في معاشرة زوجته من أكبر الأسباب والدواعي إلى حسن العشرة بالمعروف، فنهى المؤمن عن سوء عشرته لزوجته. والنهي عن الشيء أمر بضده. وأمره أن يلحظ ما فيها من الأخلاق الجميلة، والأمور التي تناسبه، وأن يجعلها في مقابلة ما كره من أخلاقها؛ فإن الزوج إذا تأمل ما في زوجته من الأخلاق الجميلة، والمحاسن التي يحبها، ونظر إلى السبب الذي دعاه إلى التضجر منها وسوء عشرتها، رآه شيئاً واحداً أو اثنين مثلاً، وما فيها مما يحب أكثر. فإذا كان منصفاً غض عن مساوئها لاضمحلالها في محاسنها. وبهذا: تدوم الصحبة، وتؤدّى الحقوق الواجبة والمستحبة وربما أن ما كره منها تسعى بتعديله أو تبديله. وأما من غض عن المحاسن، ولحظ المساوئ ولو كانت قليلة. فهذا من عدم الإنصاف. ولا يكاد يصفو مع زوجته. والناس في هذا ثلاثة أقسام: أعلاهم: من لحظ الأخلاق الجميلة والمحاسن، وغض عن المساوئ بالكلية وتناساها. وأقلهم توفيقاً وإيماناً وأخلاقاً جميلة: من عكس القضية، فأهدر المحاسن مهما كانت، وجعل المساوئ نصب عينيه.
- لا يفرَك مؤمنٌ مؤمنةً إن سخِطَ منْها خُلقًا رضِيَ منْها آخرَ الراوي: [أبو هريرة] | المحدث: ابن كثير | المصدر: تفسير القرآن | الصفحة أو الرقم: 2/212 | خلاصة حكم المحدث: صحيح لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إنْ كَرِهَ منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخَرَ، أَوْ قالَ: غَيْرَهُ. أبو هريرة | المحدث: مسلم | المصدر: صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 1469 | خلاصة حكم المحدث: [صحيح] الإيمانُ داعٍ لمكارِمِ الأخْلاقِ، فلا يَخلُو المُؤمِنُ والمؤمِنةُ مِن خلُقٍ حسَنٍ؛ فالإيمانُ يَستلزِمُ وجودَ خِصالٍ مَحمودةٍ فيهما.