5 - ثم تختم السورة ببيان المصير المشؤوم الذي ينتهي إليه المشركون، فقد أخذوا إلى النار من مكان قريب من الموقف، وقالوا: آمنَّا بمحمد، ولكن هيهات أن يقبل منهم إيمان في الآخرة، فقد فات الأوان ولا يمكن أن يحققوا ما يريدون من قبول الإيمان والنجاة من العذاب.
وقد ذكر ابن أبي حاتم هاهنا حديثا غريبا فقال: حدثنا أبي ، حدثنا أبو صالح ، حدثنا معاوية بن صالح ، عن أبي الزاهرية ، عن جبير بن نفير ، عن أبي ثعلبة الخشني; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الجن على ثلاثة أصناف: صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء ، وصنف حيات وكلاب ، وصنف يحلون ويظعنون ". رفعه غريب جدا. وقال أيضا: حدثنا أبي ، حدثنا حرملة ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني بكر بن مضر ، عن محمد ، عن ابن أنعم أنه قال: الجن ثلاثة: صنف لهم الثواب وعليهم العقاب ، وصنف طيارون فيما بين السماء والأرض ، وصنف حيات وكلاب. قال بكر بن مضر: ولا أعلم إلا أنه قال: حدثني أن الإنس ثلاثة: صنف يظلهم الله بظل عرشه يوم القيامة. تفسير سورة سبأ للناشئين (الآيات 1 - 22). وصنف كالأنعام بل هم أضل سبيلا. وصنف في صور الناس على قلوب الشياطين. وقال أيضا: حدثنا أبي: حدثنا علي بن هاشم بن مرزوق حدثنا سلمة - يعني ابن الفضل - عن إسماعيل ، عن الحسن قال: الجن ولد إبليس ، والإنس ولد آدم ، ومن هؤلاء مؤمنون ومن هؤلاء مؤمنون ، وهم شركاؤهم في الثواب والعقاب ، ومن كان من هؤلاء وهؤلاء مؤمنا فهو ولي الله ، ومن كان من هؤلاء وهؤلاء كافرا فهو شيطان.
إذاً الجفنة العظيمة دليل على كرم صاحبها، وكون سليمان عليه الصلاة والسلام يصنع هذه الجفان العظيمة أو يأمر بصنعها لإطعام الخلق من محتاجين وضيوف وغيرهم دليل على الكرم العظيم الذي كان عليه سليمان على نبينا وعليه الصلاة والسلام. معنى قوله تعالى: (اعملوا آل داود شكراً) قال الله عز وجل: اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا [سبأ:13] أمرهم الله تعالى بالعمل وهو الشكر، وأهل الإعراب يقولون: هو مفعول به، والتقدير: اعملوا العمل الذي هو شكر. إذاً الشكر يكون عملاً وليس بالقول فقط، وكذا كل مؤمن مأمور بأن يشكر الله سبحانه وتعالى بلسانه وقلبه وعمله. تفسير سورة سبأ للناشئين. وشكراً في قوله تعالى: اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا يحتمل أن تكون تمييزاً لهذا العمل، ويحتمل أن تكون مفعولاً لهذا الفعل، فكأن العمل الذي تعملونه هو الشكر لله سبحانه أو يكون شكراً لله سبحانه وتعالى، فالمؤمن يعمل لله عز وجل شاكراً نعم الله عز وجل عليه، فيعمل ويجتهد ويصلي ويصوم ويقوم لله سبحانه وتعالى، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم قياماً طويلاً، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: حتى ترم قدماه صلوات الله وسلامه عليه، أي: تتورم قدماه، فتقول: ( يا رسول الله! ألم يغفر الله عز وجل لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول صلى الله عليه وسلم: أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً) عليه الصلاة والسلام.