الجامعة متمسكة به، ووزارة المعارف لا تود أن تتخلى عنه! لكن العاقبة كانت للجامعة، بعد عام من العمل المزدوج، وصارت جامعة الملك سعود، هي بيت الأستاذ عبدالله النعيم، أمضى بها زمناً من الكدح والعمل الذي لا ينتهي، وحصل على البكالوريوس منها، قبل أن يطلب السفر إلى بريطانيا، لمواصلة تعليمه العالي. عبدالعزيز النعيم يحكي عن قرن - مدوَّنة أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف. كانت الرياض، في السبعينات الميلادية، تمر بمرحلة من أصعب مراحل العمر، فهي تنمو نمواً سريعاً في ظل طفرة مالية، وتحتاج إلى كثير من التخطيط، ففيها كل يوم مخطط جديد، يحتاج إلى الإمداد بالخدمات الحكومية، من تعبيد، وماء، وكهرباء، وصرف صحي، وكانت منح الأراضي كثيرة في تلك الأيام. والعاصمة السعودية تعيش صراعاً بين ماض قديم، وحاضر جديد، جاء على حين غرّة. أما النظافة، فقد كانت في حالة يرثى لها، حتى إن بعض الشوارع، كانت مغلقة بسبب تراكم النفايات، ولم يكن السكان واعين بأنظمة البناء، وكان جهاز أمانة المدينة مهلهلاً، ولم يكن في المدينة كلها إلا ست حدائق فقط، وفي هذا الوضع عُرضت أمانة الرياض على النعيم. كان التحدي ضخماً أمام صاحبنا، وقد قبله الرجل، وعمل وفقه بجدارة، وأمانة، ونزاهة. خرج النعيم من العمل الحكومي، نزيهاً نظيف اليد، لم يستثمر نفوذه في خدمة مصالحه الشخصية، ولا ادخر جهداً في خدمة العاصمة بكل ما يملك، من رؤية، وتفكير ثاقب، وبمن كان معه من الشباب المخلص.
فقال الشيخ بتلقائية: لأنها تشرب سمن! وحين استوضح منه الملك عن معنى جوابه الغريب، أخبره أبو علي بأن الماء الذي تُسقى منه تلك الشجرة الديوانية عذب، والمواقف كثيرة تحجب حرارة الشمس وتجلب الظلّ وتبرد الجو، فلا وجه للمقارنة بينها وبين أرصفة تقع في عراء لاهب، وتُسقى من مياه الصرف الصحي، وحينها علّق الملك على جواب النعيم الصريح بقوله: ما فيك حيلة! ومما جاء في السيرة أن معالي د. عبدالعزيز الخويطر رفض تصحيح نتيجة الامتحان الجامعي للنعيم مع أنه مستحق للدرجة الكاملة؛ وذلك دفعًا لأيّ شك قد يُثار عن الجامعة، ومنها أخبار انتقاء مواقع ثلاث جامعات في الرياض وما جرى فيها من مواقف إدارية ورؤى مستقبلية، وفيها نماذج من أعمال بناته التطوعية التي تُحمد لهنّ ولمن رباهنّ، ولا يخفي توقيع أبي علي وفاءه لوالديه ولزوجته الراحلة ولأعمامه وخؤولته، ويرسم قلمه صورة بهيّة عن علاقاته الودودة مع أسرته الممتدة، ومع شقيقه وأجيالهم من الأبناء والأحفاد، والله ينعم عليهم بالمودة، ويديم بينهم التماسك والألفة. ولا تفوت الطرفة على معاليه؛ ويبدو لي أنها تجري على لسانه طريّة دونما تكلّف ولذلك تزداد حلاوتها، فمن طرائف السيرة أنه أجبر طلاب معهد المعلمين على دخول الامتحان بعد أن انهال عليهم ضربًا بالعقال، وأصبح مديرًا لإدارة التعليم مع أنه يومها لا يحمل حتى الشهادة الابتدائية، واكتشف كسل أحد موظفيه فسحبه من أذنه؛ ونزل به من ثلاثة طوابق إلى البوابة الخارجية، ورماه خارج المبنى وهي أغرب طريقة في اتخاذ قرار فصل من العمل يجمع ألمًا معنويًا وحسيًا!