ومما هو أشد إثارة من المتقدم؛ أن تنزل هذه الآيات في بدايات الإسلام ثم لا نجد الرسول صلى الله عليه وسلم يُذكر بها النساء اللاتي يبدين وجوههن كالخثعمية، وحديثها في البخاري ومسلم وغيرهما، وكالمرأة التي في حديث جابر عن حجة رسول الله، وهو حديث في مسلم. مقتضى ما يميل إليه المحتجون بآية الجلابيب وغيرها هو دلالتها الصريحة على تغطية الوجه؛ كما هو رأي لطف الله خوجة وغيره، وإذا كان الأمر كما ذهب هؤلاء؛ فكان من المنتظر أن يأمر الرسول، صلى الله عليه وسلم، هاتين المرأتين بتغطية وجهيهما، وخاصة الخثعمية؛ لأن حديثها بعد يوم عرفة الذي نزل فيه قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)؛ وإذا لم يفعل فذلك دليل صريح قاطع على أن الآية لا تدل على هذا المعنى الذي فهموه. ومما يُحتج به على جواز كشف الوجه في سياق الحديث عن تفسير هذه الآيات، والمأثورات فيه؛ أن أكثر الصحابة، رضي الله عنهم، روي عنهم هذا الرأي؛ فالبيهقي في سننه يجعل هذا الرأي مروياً عن ابن عباس وابن عمر وعائشة، ويجعله ابن القطان في كتابه "النظر في أحكام النظر بحاسة البصر" مروياً عن ابن عباس وابن عمر وأنس وعائشة وأبي هريرة (النظر في أحكام النظر 49).
العلة الثانية: أن قتادة مدلس، وقد عنعن، ولم يصرح بسماعه من خالد بن دريك. والعلة الثالثة: أن خالد الراوي، عن عائشة لم يدرك عائشة، بل هو منقطع، لم يدركها، ولم يسمع منها؛ فصار الحديث ضعيفًا من هذه العلل الثلاث، ولا يستقيم الاحتجاج به، ولا يصح الاحتجاج به في هذا المقام العظيم، ولو صح؛ لكان هذا قبل الحجاب، لا بعد الحجاب، والله المستعان نعم. ص322 - كشف الغمة عن أدلة الحجاب في الكتاب والسنة - نظر المرأة للرجال الأجانب - المكتبة الشاملة. وقد بينا هذا في كتاب الحجاب التي توزع، كتبنا في هذا رسالة في الحجاب من مدة طويلة، فهي توزع بين الناس، وتوزع من طريق... أيضًا، وهي رسالة بحمد الله موجزة، لكنها مفيدة. وهكذا رسالة شيخ الإسلام ابن تيمية في الحجاب مفيدة، وكذلك رسالة لأخينا وابننا العلامة الشيخ محمد بن عثيمين في الحجاب جيدة، وهكذا رسالة العلامة المودودي في الحجاب جيدة. وقد ورد في كتاب الحجاب لأخينا العلامة الشيخ محمد ناصر الألباني شيء يدل على ميله إلى جواز كشف المرأة وجهها وكفيها، وإن كان يرى أن الستر أولى وأحوط، لكنه غلط -وفقه الله- في هذا، وكما يقال زلةُ العالمِ زلةُ العالَم، زلة العالِم مصيبة، فهذه زلة من أخينا الشيخ ناصر الدين الألباني وهو من خيرة العلماء، ومن خيرة الأخيار، نعرفه كثيرًا، ولكنه له زلات كغيره، كل واحد من العلماء له أخطاء، وله غلطات، هذه من غلطاته -عافاه الله وهداه-.
الأربعاء 15 ربيع الآخر 1436 هـ - 04 فبراير 2015م - العدد 17026 في الثقافات المذهبية يُولد الإنسان مُتحيزاً منذ البداية، ويضحي التفكير والنظر والمسائلة، وهنّ ركائز الإنسان الحر، عيوباً كبرى، تقوم الثقافة عبر ممثليها بعملية استئصال لها، واجتثاث لوجودها؛ حتى يبدو الإنسان الآخذ بهن قادماً من كوكب آخر، لا يمتّ إلى عالمه بشيء، فتبني الثقافة بهذا ما يُسمّى بالاستلاب، وتُشارك مشاركة فعالة في زراعته، والعناية به، وإقناع الناس بدعوته. والأمة التي يستلبها ذووها بالغطاء الثقافي الذي يصطنعونه لها تفقد عقول بنيها، وتُحوّلهم من مشاركين في البناء، ومسؤولين عنه، إلى حُماة لما كان، ومدافعين عنه؛ فيفقد الإنسان أهم مقوماته، وتفقد الأمة أهم عنصر تحتاج إليه في معركة الحياة! والإنسان المستلب يُغرم بكل ما يزيد من استلابه، ويُساعده على القناعة به؛ لأنه يرى في ذلك تماهيا مع الحق، واندماجا معه، فيتطبّع عقله بهذا، وأخطر شيء يبلغه استلاب الثقافة أن تُصبح عناوين الكتب، ولافتات المقالات، صادرة عن ذلكم الداء، ومُعبّرة عنه، وأخطر من هذا أن يكون أعضاء هيئة التدريس في الجامعات، والأكاديميون في الكليات، وهم الذين يُنتظر منهم بناء عقل ناقد، واستصلاحاً دائماً للتفكير، خاضعين لهذا الاستلاب، ومندمجين معه في اختيار عناوين كتبهم، ومتولين دفّة الدفاع عنه بها.
تاريخ النشر: السبت 3 رمضان 1425 هـ - 16-10-2004 م التقييم: رقم الفتوى: 54689 169061 0 586 السؤال ما أدلة القائلين بجواز كشف وجه المرأة؟ الإجابــة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: وبعد فقد استدل الفقهاء القائلون بجواز كشف الوجه والكفين بأدلة عديدة منها قوله سبحانه: ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها {النور:31}، ففي سنن البيهقي رحمه الله تعالى بسنده إلى ابن عباس قال: ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها قال: ما في الكف والوجه. وبسنده أيضاً إلى ابن عباس: في قوله: ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها قال: الكحل والخاتم وروينا عن أنس بن مالك مثل هذا. ا. هـ وبسنده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: ما ظهر منها الوجه والكفان وروينا عن ابن عمر أنه قال: الزينة الظاهرة الوجه والكفان، وروينا معناه عن عطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير وهو قول الأوزاعي. قال ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى في تفسيره: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عني بذلك الوجه والكفان، وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك بالتأويل: لإجماع الجميع على أن على كل مصل أن يستر عورته في صلاته، وأن للمرأة أن تكشف وجهها وكفيها في صلاتها، وأن عليها أن تستر ما عدا ذلك من بدنها، فإذا كان من جميعهم إجماعاً كان معلوماً بذلك أن لها أن تبدي من بدنها ما لم يكن عورة كذلك للرجال، لأن ما لم يكن عورة فغير حرام إظهاره، وإذا كان لها إظهار ذلك كان معلوماً أنه مما استثناه الله تعالى، ذكره بقوله: إلا ما ظهر منها، لأن كل ذلك ظاهر منها.