فِعْل تلك المحرمات المذكورة خروج عن طاعة الله. اليوم يئس الذين كفروا من ارتدادكم عن دين الإسلام لما رأوا من قوته، فلا تخافوهم وخافوني وحدي، اليوم أكملت لكم دينكم الذي هو الإسلام، وأتممت عليكم نعمتي الظاهرة والباطنة، واخترت لكم الإسلام دينًا، فلا أقبل دينًا غيره، فمن أُلْجِئَ بسبب مجاعة إلى الأكل من الميتة غير مائل للإثم فلا إثم عليه في ذلك، إن الله غفور رحيم.
واختلف أهل التأويل في "العقود" التي أمر الله جل ثناؤه بالوفاء بها بهذه الآية ، بعد إجماع جميعهم على أن معنى"العقود " ، العهود. فقال بعضهم: هي العقود التي كان أهل الجاهلية عاقد بعضهم بعضا على النصرة والمؤازرة والمظاهرة على من حاول ظلمه أو بغاه سوءا ، وذلك هو معنى"الحلف" الذي كانوا يتعاقدونه بينهم. ذكر من قال: معنى"العقود" ، العهود. 10893 - حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني [ ص: 450] معاوية بن صالح ، عن علي ، عن ابن عباس قوله: " أوفوا بالعقود " ، يعني: بالعهود. 10894 - حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله جل وعز: " أوفوا بالعقود " ، قال: العهود. إسلام ويب - تفسير الطبري - تفسير سورة المائدة - القول في تأويل قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود"- الجزء رقم9. 10895 - حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله. 10896 - حدثنا سفيان قال: حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن رجل ، عن مجاهد ، مثله. 10897 - حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا عبيد الله ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس قال: جلسنا إلى مطرف بن الشخير وعنده رجل يحدثهم ، فقال: " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " ، قال: هي العهود. 10898 - حدثنا المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع: " أوفوا بالعقود " ، قال: العهود.
وختاماً: فما أحوجنا نحن المسلمين، اليوم إلى استعادة قيمة الوفاء بالوعود والعهود والمواثيق خاصة في هذا الزمن الأغبر الذي اختفى فيه معظم المعاني النبيلة من حياتنا. كما أننا في حاجة ماسة إلى تربية أبنائنا على قيمة الوفاء والاعتراف بالجميل والرد على المعروف بمعروف أكثر منه، وعلينا أن ننفرهم من الأنانية وحب الذات وعدم الإساءة إلى من أحسن إليهم، واجبنا أن نغرس فيهم فضيلة الوفاء بالعهود والمواثيق وأن نذكرهم دائماً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا دين لمن لا عهد له، وأن نوضح لهم أن عدم الوفاء والغدر والجحود يدمر العلاقات بين الناس، أفراداً كانوا أو جماعات. إن تربية الأبناء على قيمة الوفاء هي التي تحميهم من كل صور الغدر والخيانة وتجعلهم أعزاء كرماء محبوبين من كل الناس.
رسم القرآن الكريم للمسلم صورة أخلاقية وسلوكية مثالية، وبنى شخصيته على قيم وأخلاقيات رفيعة، حتى يحظى برضا خالقه، وثقة كل المتعاملين معه، فتستقيم حياته، ويؤدي رسالته، ويسهم بفاعلية في بناء ونهضة مجتمعه، ويواجه بقوة وصلابة كل التجاوزات الأخلاقية، عملاً بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والقرآن الكريم في بنائه الأخلاقي للإنسان جاء بكل ما هو راقٍ ومتحضر، وسما بسلوكه فوق كل الصغائر، ورسم له حياة تغلفها المعاني الإنسانية الرفيعة ليكون إنساناً سوياً متحضراً، قادراً على التعايش والتعاون مع كل المحيطين به، مترفعاً عن الصغائر، متجنباً للرذائل، مجسداً صورة حضارية لدينه، ملتزماً في سلوكه وأخلاقه وتعاملاته مع الناس جميعاً بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال عنه خالقه "وإنك لعلى خلق عظيم". فضيلة إسلامية حث عليها القرآن الكريم في العديد من آياته، ليغرس في نفس المسلم كل المعاني الجميلة، ويوفر له حياة آمنة مطمئنة مع كل المحيطين به، إنها قيمة "الوفاء"، التي تجعل كل من يتحلى بها محل ثقة واحترام الآخرين، فعلى ضوئها يثق الأفراد والجماعات في بعضهم بعضا، وتجري العلاقات الإنسانية بينهم بروح الأخوة والمحبة، وقد تعددت النصوص القرآنية التي تحث على هذه الفضيلة منها قول الحق سبحانه: "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود.. تفسير قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام). "، وقوله سبحانه: "وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا"، وقوله عز وجل: "وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون".
{ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ْ} تحريمه منها في قوله: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ ْ} إلى آخر الآية. فإن هذه المذكورات وإن كانت من بهيمة الأنعام فإنها محرمة. ولما كانت إباحة بهيمة الأنعام عامة في جميع الأحوال والأوقات، استثنى منها الصيد في حال الإحرام فقال: { غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ْ} أي: أحلت لكم بهيمة الأنعام في كل حال، إلا حيث كنتم متصفين بأنكم غير محلي الصيد وأنتم حرم، أي: متجرئون على قتله في حال الإحرام، وفي الحرم، فإن ذلك لا يحل لكم إذا كان صيدا، كالظباء ونحوه. والصيد هو الحيوان المأكول المتوحش. { إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ْ} أي: فمهما أراده تعالى حكم به حكما موافقا لحكمته، كما أمركم بالوفاء بالعقود لحصول مصالحكم ودفع المضار عنكم. وأحل لكم بهيمة الأنعام رحمة بكم، وحرم عليكم ما استثنى منها من ذوات العوارض، من الميتة ونحوها، صونا لكم واحتراما، ومن صيد الإحرام احتراما للإحرام وإعظاما.
للتواصل مع مركز الدعوة الإسلامية: المـركـز الرئـيسي: فيضـــان مـدينــة، بـجوار شـركـة الاتصالات الباكستانية، طريق الجامعات الرئيسي، بـاب المدينة كراتشي، باكستان. (+92)-21-349-213-88-(93) رقـــم الـــــهـاتــف: (+92)-21-111-252-692 الــرقـــم الـمــوحـد: البريد الإلكتروني: البريد الإلكتروني:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۗ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ" [المائدة:1] يأمر الله تعالى عباده في الآية الكريمة بأن يوفوا بالعقود أي العهود التي عاهدوا الله عليها، ثم ذكر لهم ما أحل من أنواع اللحوم، وحرم عليهم الصيد في حالة الإحرام واختتم الآية بأن الله يحكم بما يريد يحل ويحرم ويشرع كيفما يشاء. تفسير النداء للمؤمنين: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا" الخطاب موجه للمؤمنين الذين أفردوا العبودية لله وحده دون شريك، والذين آمنوا برسالة رسوله وحبيبه محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، والخطاب هنا جاء في صورة نداء للمؤمنين ليستحثهم على الإنصات لما بعد النداء.