[ ص: 92] وإنكار جعل الفريقين متشابهين كناية عن إعطاء المسلمين جزاء الخير في الآخرة وحرمان المشركين منه ؛ لأن نفي التساوي وارد في معنى التضاد في الخير والشر في القرآن وكلام العرب قال تعالى أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ، وقال لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة ، وقال أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار وقال السموأل أو الحارثي: سلي إن جهلت الناس عنا وعنهم فليس سواء عالـم وجـهـول وإذا انتفى أن يكون للمشركين حظ في جزاء الخير انتفى ما قالوه من أنهم أفضل حظا في الآخرة من المسلمين كما هو حالهم في الدنيا بطريق فحوى الخطاب. وقوله أفنجعل المسلمين كالمجرمين كلام موجه إلى المشركين وهم المقصود بـ ( المجرمين) ، عبر عنهم بطريق الإظهار دون ضمير الخطاب لما في وصف ( المجرمين) من المقابلة ليكون في الوصفين إيماء إلى سبب نفي المماثلة بين الفريقين. فلذلك لم يكن ضمير الخطاب في قوله ما لكم كيف تحكمون التفاتا عن ضمائر الغيبة من قوله ودوا لو تدهن فيدهنون وقوله إنا بلوناهم. وإنما تغير الضمير إلى ضمير الخطاب تبعا لتغير توجيه الكلام ؛ لأن شرط الالتفات أن يتغير الضمير في سياق واحد.
أفنجعل المسلمين كالمجرمين انزل القرءان على الامة المحمدية لاخراج الناس من الظلمات الى النور ومن طريق الباطل الى طريق الحق وذكر ان الجنة حق وان النار حق وان الحساب حق وأن يوم القيامة حق ليعمل كل انسان على إرضاء ربه فوزا بالجنان والروح والريحان ، ذكرت هذه الاية في سورة القلم، بين الله في الايات جزاء المسلم المطيع لاوامر الله عزوجل وهو جنات النعيم وجزاء الكافر وهي نار جهنم خالدا فيها،فبين الله حال المتقين الذين اطاعوه في الدنيا ووعدهم بجنات النعيم، أي انه لا يجوز ان نساوي بين الكافر وبين المسلم في جزاء واحد.
وما تحدث متحدثٌ من ملوك هذه البلاد يوماً بالمنّ والأذى لقاء ما تقدمه الدولة من جهود يراها الأعمى ويسمعها الأصمّ؛ بل كانوا دوماً يرددون بامتنان فخرهم أن الله سخرهم لخدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما، وأنهم لن يدّخروا في ذلك جهداً ما ملكوا إلى ذلك سبيلاً، وفي كل عام يحج آلاف الحجاج ويعتمر الآف المعتمرين مجاناً على نفقة الملك وولي عهده وبعض قطاعات الدولة الرسمية من ميزانيتها، لأن دولتنا العظيمة الكريمة لا تتعامل مع الحج والعمرة بحسابات التجارة والاستثمار الدنيوي؛ بل بالتجارة مع الله عز وجل. ورغم ما أجرمه المجرمون من حجاج إيران على عدة سنوات من عبث بأمن الحج وإلحاد في الحرم، ورغم ما حصل بين المملكة وبعض الدول من خلافات سياسية، إلا أنها لم تتخذ ذلك ذريعة في يوم من الأيام إلى منع حجاج ذلك البلد أو التضييق عليهم، بل أبقت بوابة الحرمين الشريفين مفتوحة لكل قاصد يريد الحج والعمرة، لأنها دولة يؤكد قادتها أن إشرافهم وخدمتهم للحرمين الشريفين إنما هو اختصاص وفضلٌ من الله عز وجل لخدمة الحرمين ورعاية قاصديهما قدر المستطاع، ووالله إني أكاد أجزم أن ذلك قد يكون أحد أسباب ما أنعم الله به على هذه البلاد من خيرات وأمن ورخاء.