وعليه فمعنى قوله تعالى: ﴿لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ﴾ هو النهى عن انْ يسخر الرجالُ بعضهم ببعض ومعنى قوله: ﴿وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء﴾ هو النهي عن ان تسخر نساءٌ بنساءٍ اُخريات، والتنصيص في النهى على كلِّ جنس بحدةٍ نشأَ ظاهراً عن ان ذلك أوقع في الردع، حيث يتم التنُبُّه إلى انَّ كلاً من الجنسين معنيٌ بهذا الردع والنهي المولوي، ولعل المنشأ الآخر للتنصيص على كلا الجنسين هو الإشارة إلى سبب النزول وانَّ رجالاً كانوا قد سخروا من رجال، وانَّ نساءً كن قد سخرن من نساء فيكون التنصيص أبلغ في ردع هؤلاء وهؤلاء. وأما سبب نزول الفقرة الاولى من الآية المباركة، وهي قوله تعالى: ﴿لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ﴾. لا يسخر قوم من قوم عسى. فذكر ابن أبي حاتم في تفسيره عن مقاتل انَّها نزلت في قوم من بني تميم استهزأوا من بلال وسلمان وعمار وخباب وصهيب وابن فهيرة وسالم مولى إبي حذيفة"(4) وحكى مثل ذلك الثعلبي في تفسيره عن الضحاك قال: نزلت في وفدٍ من بنى تميم.. استهزأوا بفقراء أصحاب الرسول (ص) مثل عمار وخباب وبلال وسلمان وسالم مولى أبي حذيفة لما رأوا من رثاثة حالهم (5).
ثم إنَّه لا مانع من القبول بدعوى انَّ عنوان القوم يُطلق في الأصل على الأعم من الرجال و النساء فيكون المنصرف من هذا العنوان عند الاطلاق هو الأعم إلا انْ تقوم قرينة على إرادة خصوص جماعة الرجال. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ﴾ تدل الآية على السخرية من - المساعد الشامل. وحيث انَّ الآية اشتملت على قرينة المقابلة لذلك كان عنوان القوم فيها متِّعيناً في إرادة جماعة الرجال. وبتعبير آخر: إنَّ عنوان القوم في الآية المباركة مستعمل في خصوص جماعة الرجال على أيِّ تقدير، فسواءً قلنا: إنَّ لفظ القوم مجعول بحسب الوضع اللغوي على خصوص جماعة الرجال أو قلنا: إانه مجعول بحسب الاصل اللغوي في الأعم من الرجال والنساء، أما بناءً على الاول فواضح إذ ان لفظ القوم استُعمل في معناه الموضوع له لغة في مقابل النساء وأما بناء على الثاني فلفظ الرجال وانْ كان بحسب الأصل اللغوي يُطلق على الأعم إلا انَّه استُعمل في هذه الآية في خصوص جماعة الرجال وذلك بقرينة المقابلة. فالآية المباركة قالت: ﴿لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ﴾ ثم قالت: ﴿وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء﴾ فالمقابلة بين القوم والنساء في موضعٍ واحد قرينة على انَّ المراد من القوم غير النساء وليسوا سوى الرجال، ويتأكد ذلك بتعارف اطلاق لفظ القوم على خصوص الرجال حتى مع القبول بأن الوضع اللغوى كان للأعم.
اقرأ أيضًا: معنى حسبي الله ونعم الوكيل على فلان ما هو حكم السخرية والاستهزاء في الإسلام؟ وضع الله تعالى حدًا للمستهزئين الساخرين في الإسلام وأعد لهم عقابًا شديدًا سواء الذين يسخرون بالله ورسوله أو المسلمين الذين يسخرون من بعضهم البعض في كلتا الأحوال تكون العواقب وخيمة في الدنيا والآخرة. أولًا حكم السخرية والاستهزاء بين المؤمنين وبعضهم تطرق علماء الإسلام إلى أن السخرية والاستهزاء بين المؤمنين تنقسم إلى جزئيين وهم: 1- الاستهزاء والسخرية من فعل الطاعات أن يستهزئ المسلم بأخيه المسلم بسبب تمسكه الشديد بتعاليم الإسلام حيث إن في هذه الحالة إما أن يكون المستهزئ لا يقصد فعل أخيه المسلم للطاعات أو أن يكون جاهلًا لا يعلم شيئًا عن تعاليم الإسلام الصحيحة. شبكة فجر الثقافية :: ﴿لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ﴾ المعنى وسبب النزول. ما هو الحكم في هذه الحالة؟ قال العلماء أن الشخص الجاهل أو الذي لا يقصد أن يستهزئ بالطاعات التي يفعلها أخيه المسلم لا يكون عليه ذنب ولا حكم أما إذا كان قاصدًا لما يقول أو ليس جاهلًا فيكون حكمه الكفر والخروج عن الإسلام لأنه يكون استهزاء بالشريعة التي وضعها الله ورسوله. 2- الاستهزاء والسخرية من الأخلاق أو الخلقة أجمع علماء الإسلام على تحريم السخرية بين المسلمين وبعضهم سواء على أخلاقهم أو أشكالهم فلا يجب أن يسخر المسلم من أخيه المسلم بسبب عيب في خلقته أو عيب في أخلاقه لأن الشكل هو الذي يخلقه الله وبالتالي فإن السخرية من شكل الإنسان محرمة بإجماع العلماء.
ثم إنَّه لا مانع من القبول بدعوى أنَّ عنوان القوم يُطلقُ في الأصل على الأعم من الرجال والنساء فيكون المنصرَف من هذا العنوان عند الإطلاق هو الأعم إلا أنْ تقوم قرينةٌ على إرادة خصوص جماعة الرجال، وحيثُ أنَّ الآية اشتملت على قرينةِ المقابلة لذلك كان عنوان القوم فيها متعيِّناً في إرادة جماعة الرجال. وبتعبير آخر: إنَّ عنوان القوم في الآية المباركة مستعملٌ في خصوص جماعة الرجال على أيِّ تقدير، فسواءً قلنا: إنَّ لفظ القوم مجعولٌ بحسب الوضع اللغويِّ على خصوص جماعة الرجال أو قلنا: إنَّه مجعولٌ بحسب الأصل اللغويِّ في الأعمِّ من الرجال والنساء، أما بناءً على الأول فواضح إذ إنَّ لفظ القوم استُعمل في معناه الموضوع له لغةً في مقابل النساء وأما بناءً على الثاني فلفظُ الرجال وإنْ كان بحسب الأصل اللغويِّ يُطلق على الأعم إلا أنَّه استُعمل في هذه الآية في خصوص جماعة الرجال، وذلك بقرينة المقابلة. فالآيةُ المباركة قالت: ﴿لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ﴾ ثم قالت: ﴿وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء﴾ فالمقابلة بين القوم والنساء في موضعٍ واحدٍ قرينةٌ على أنَّ المراد من القوم غير النساء وليسوا سوى الرجال، ويتأكَّد ذلك بتعارف إطلاق لفظ القوم على خصوص الرجال حتى مع القبول بأنَّ الوضع اللغوى كان للأعم.
8- المجموع للنووي ج 15/353. 9- تفسير القمي ج3/321. 10- سنن الترمذي -الترمذي- ج 4 ص 72 / تفسير القرطبي -القرطبي- ج 16 ص 326.