ومن أجل هذا فلا جرم أن يقول عمر وعلى رضي الله عنهما: ما سابقنا أبا بكر إلى خير قط إلا سبقنا عليه، فما أجمل أن يسعي الإنسان في الخير وأن يبحث عن الأجر في كافة مجالات الحياة لا يحتقر شيئاً ولا يضيع فرصة بل يغتنمها، فالحياة قصيرة وهي فرصة الإعمال الوحيدة. تصدى الخليفه ابو بكر الصديق رضي الله عنه. أيها المسلمون: لقد كان أبو بكر رجلاً تاجراً فلما أسلم سخر كل ماله في سبيل الإسلام وقضايا المسلمين صار يشتري بماله كل من أسلم من العبيد والإماء ممن يعذبهم مواليهم لأجل إسلامهم ثم يعتقهم حتى أعتنق عشرين من السابقين الأولين منهم بلال، وبادر إلى الدعوة إلى الله تعالى فأسلم على يده في أول يوم لإسلامه خمسة من العشرة المبشرين بالجنة ثم أسلم على يده بعدها أبو عبيدة، وسخر أبو بكر كل إمكاناته في خدمة الدعوة ونصرة الإسلام. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما لأحد عندي يد إلا كافأته بها إلا ما كان من أبي بكر فإن له عندي يداً والله يكافئه بها ما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر). ولم يكتفِ رضي الله عنه ببذل نفسه في سبيل الدين بل بجميع أسرته لقد ترك موطنه ومسكنه وأهله وعشيرته وأمواله مهاجراً ومخاطراً إلى المدينة نصرة لدين الله ورسول الله، ما ترك غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم إلا وخرج فيها بنفسه مجاهداً في سبيل الله بسيفه كما جاهد بماله.
أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمُرسَلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. توفي ابو بكر الصديق رضي الله عنه عام. لقد اشتدَّ الهجومُ على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولقد عزمتُ النية على كتابة سلسلة من المقالات لتوضِّح مَن هم هؤلاء الصحابة الذين يُهاجَمون من قِبل مَن لا دين لهم. هؤلاء الصحابة الذين قال الله عنهم في كتابه العزيز: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 23، 24]. أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - أول الخلفاء الراشدين، وخليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأحد العشرة المُبشَّرين بالجنة، وهو ثاني اثنين، وهو خير مَن طلعت عليه الشمس بعد النبيين، وقال الإمام أبو الشيخ في كتابه "الأمثال في الحديث النبوي": قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: ((أما مَثَلك يا أبا بكر في الملائكة مَثَل ميكائيل يَنزِل بالرحمة، ومثلك في الأنبياء مثل إبراهيم - عليه السلام - إذ كذَّبه قومه وصنعوا به ما صنعوا، فقال: ﴿ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [إبراهيم: 36])).