فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) " فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون " أولئك النفر الذين قالوا لرسول الله. وقال عبد الله هو ابن مسعود والذي لا إله غيره ما منكم من أحد إلا سيخلو الله به يوم القيامة كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر فيقول: ابن آدم ماذا غرك منى بي؟ ابن آدم ماذا عملت فيما علمت؟ ابن آدم ماذا أجبت المرسلين؟.
رواه زيد بن أرقم. وعنه أيضا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله عهد إلي ألا يأتيني أحد من أمتي بلا إله إلا الله لا يخلط بها شيئا إلا وجبت له الجنة قالوا: يا رسول الله ، وما الذي يخلط بلا إله إلا الله ؟ قال: حرصا على الدنيا وجمعا لها ومنعا لها ، يقولون قول الأنبياء ويعملون أعمال الجبابرة. وروى أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا إله إلا الله تمنع العباد من سخط الله ما لم يؤثروا صفقة دنياهم على دينهم فإذا آثروا صفقة دنياهم على دينهم ثم قالوا لا إله إلا الله ردت عليهم وقال الله كذبتم. أسانيدها في نوادر الأصول. فوربك لنسألنهم أجمعين. قلت: والآية بعمومها تدل على سؤال الجميع ومحاسبتهم كافرهم ومؤمنهم ، إلا من دخل الجنة بغير حساب على ما بيناه في كتاب ( التذكرة). فإن قيل: وهل يسأل الكافر ويحاسب ؟ قلنا: فيه خلاف وذكرناه في التذكرة. والذي يظهر سؤاله للآية وقوله: وقفوهم إنهم مسئولون وقوله: إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم. فإن قيل: فقد قال - تعالى -: ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون وقال: فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ، وقال: ولا يكلمهم الله ، وقال: إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون. قلنا: القيامة مواطن ، فموطن يكون فيه سؤال وكلام ، وموطن لا يكون ذلك فيه.
فإن قيل: فقد قال - تعالى -: ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون وقال: فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ، وقال: ولا يكلمهم الله ، وقال: إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون. قلنا: القيامة مواطن ، فموطن يكون فيه سؤال وكلام ، وموطن لا يكون ذلك فيه. قال عكرمة: القيامة مواطن ، يسأل في بعضها ولا يسأل في بعضها. وقال ابن عباس: ( لا يسألهم سؤال استخبار واستعلام هل عملتم كذا وكذا; لأن الله عالم بكل شيء ، ولكن يسألهم سؤال تقريع وتوبيخ فيقول لهم: لم عصيتم القرآن وما حجتكم فيه ؟ واعتمد قطرب هذا القول. وقيل: لنسألنهم أجمعين يعني المؤمنين المكلفين; بيانه قوله - تعالى -: ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم. والقول بالعموم أولى كما ذكر. والله أعلم. القران الكريم |عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ. الطبرى: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فوربك يا محمد لنسألنّ هؤلاء الذين جعلوا القرآن في الدنيا عِضين في الآخرة عما كانوا يعملون في الدنيا، فيما أمرناهم به ، وفيما بعثناك به إليهم من آي كتابي الذي أنـزلته إليهم ، وفيما دعوناهم إليه من الإقرار به ومن توحيدي والبراءة من الأنداد والأوثان.. وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب وأبو السائب، قالا ثنا ابن إدريس، قال: سمعت ليثا، عن بشير، عن أنس، في قوله (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) قال: عن شهادة أن لا اله إلا الله.
وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عن لا إله إلا الله) أي عن الوفاء بها والصدق لمقالها. كما قال الحسن البصري: ليس الإيمان بالتحلي ولا الدين بالتمني ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال. ولهذا ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة) قيل: يا رسول الله، وما إخلاصها؟ قال: (أن تحجزه عن محارم الله). لنسألنهم أجمعين. رواه زيد بن أرقم. وعنه أيضا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عهد إلي ألا يأتيني أحد من أمتي بلا إله إلا الله لا يخلط بها شيئا إلا وجبت له الجنة) قالوا: يا رسول الله، وما الذي يخلط بلا إله إلا الله؟ قال: (حرصا على الدنيا وجمعا لها ومنعا لها، يقولون قول الأنبياء ويعملون أعمال الجبابرة). وروى أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا إله إلا الله تمنع العباد من سخط الله ما لم يؤثروا صفقة دنياهم على دينهم فإذا آثروا صفقة دنياهم على دينهم ثم قالوا لا إله إلا الله ردت عليهم وقال الله كذبتم). أسانيدها في نوادر الأصول. قلت: والآية بعمومها تدل على سؤال الجميع ومحاسبتهم كافرهم ومؤمنهم، إلا من دخل الجنة بغير حساب على ما بيناه في كتاب (التذكرة).
واعْلَمْ أنَّ المُفَسِّرِينَ قَدِ اخْتَلَفُوا في عَدَدِ هَؤُلاءِ المُسْتَهْزِئِينَ وفي أسْمائِهِمْ وفي كَيْفِيَّةِ طَرِيقِ اسْتِهْزائِهِمْ، ولا حاجَةَ إلى شَيْءٍ مِنها، والقَدْرُ المَعْلُومُ أنَّهم طَبَقَةٌ لَهم قُوَّةٌ وشَوْكَةٌ ورِياسَةٌ؛ لِأنَّ أمْثالَهم هُمُ الَّذِينَ يَقْدِرُونَ عَلى إظْهارِ مِثْلِ هَذِهِ السَّفاهَةِ مَعَ مِثْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في عُلُوِّ قَدْرِهِ وعِظَمِ مَنصِبِهِ، ودَلَّ القُرْآنُ عَلى أنَّ اللَّهَ تَعالى أفْناهم وأبادَهم وأزالَ كَيْدَهم، واللَّهُ أعْلَمُ.
فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا فرع على تفضيلهن وترفيع قدرهن إرشادهن إلى دقائق من الأخلاق قد تقع الغفلة عن مراعاتها لخفاء الشعور بآثارها ، ولأنها ذرائع خفية نادرة تفضي إلى ما لا يليق بحرمتهن في نفوس بعض ممن اشتملت عليه الأمة ، وفيها منافقوها. وابتدئ من ذلك بالتحذير من هيئة الكلام فإن الناس متفاوتون في لينه ، والنساء في كلامهن رقة طبيعية وقد يكون لبعضهن من اللطافة ولين النفس ما إذا انضم إلى لينها الجبلي قربت هيئته من هيئة التدلل لقلة اعتياد مثله إلا في تلك الحالة. فإذا بدا ذلك على بعض النساء ظن بعض من يشافهها من الرجال أنها تتحبب إليه ، فربما اجترأت نفسه على الطمع في المغازلة فبدرت منه بادرة تكون منافية لحرمة المرأة ، بله أزواج النبيء - صلى الله عليه وسلم - اللاتي هن أمهات المؤمنين. والخضوع: حقيقتة التذلل ، وأطلق هنا على الرقة لمشابهتها التذلل. والباء في قوله بالقول يجوز أن تكون للتعدية بمنزلة همزة التعدية ، أي لا [ ص: 9] تخضعن القول ، أي تجعلنه خاضعا ذليلا ، أي رقيقا متفككا. فلا تخضعن بالقول اسلام ويب. وموقع الباء هنا أحسن من موقع همزة التعدية; لأن باء التعدية جاءت من باء المصاحبة على ما بينه المحققون من النحاة أن أصل قولك: ذهبت بزيد ، أنك ذهبت مصاحبا له فأنت أذهبته معك ، ثم تنوسي معنى المصاحبة في نحو: ذهب الله بنورهم ، فلما كان التفكك والتزيين للقول يتبع تفكك القائل أسند الخضوع إليهن في صورة ، وأفيدت التعدية بالباء.
يريد أن يمنع المرأة من أن تُجرأ عليها من في قلبه مرض، "يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى ألا يعرفن"، فلا يؤذين، حين تستر مفاتنها، عرف أنها ليست ممن تعرض جمال نسائها على الرجل، فلا يتجرأ عليها، لأن الحكماء قالوا: إذا رأيت امرأة تظهر محاسنها إلى غير محارمها، فقل: إلحاح المراة في كشفها، إلحاح في عرض نفسها على الرجل. الحق سبحانه وتعالى يريد من المرأة إذا تكلمت أن تتكلم من وراء حجاب، وأن تتكلم بالمعروف، كلامًا ليس فيه لين، حماية لها ممن في قلبه مرض. فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض. "وقرن في بيوتكن"، أي استقررن في البيت، لماذا؟، لأن المرأة لو فعلت مطلوبها في البيت، لما اتسع زمن الليل والنهار لها. "ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى"، والمقصود بها الجاهلية التي تقدمت الإسلام، ومع ذلك فإن من كن في الجاهلية، كانت لهن من الكرامة، ما تفرق بين حرة وأمة، الإماء كانوا ينصبن لهن أماكن للدعارة، لذلك حين أخذ الله العهد على النساء المؤمنات "ألا يزنين"، تساءلت هند زوجة أبي سفيان: أو تزني الحرة؟
فَلْيَجْتَهِدْ في إضعاف هذا المرض وحسم الخواطر الردية، ومجاهدة نفسه على سلامتها من هذا المرض الخطر، وسؤال اللّه العصمة والتوفيق، وأن ذلك من حفظ الفرج المأمور به.