فرغم الحرية التي يجدها البشر تجاه التكوين والتشريع معاً، خاضعاً للتكوين أكثر من خضوعه للتشريع لهذا الفارق. وبما أن التكوين يعجل الانتقام، يفهم كل إنسان فلسفة أحكامه بسرعة، ويقتنع بها، فلا يحاول الخروج عليها إلا في فترات فقدان الأعصاب. ويحمل الآخرون سلبيات مخالفة التكوين على المخالف لا على الله، فيقولون: (كان يعرف نتيجة المخالفة، فلماذا خالف؟! ) فيما التشريع –حيث لا يعجل الانتقام– لا يفهم الناس فلسفة أحكامه بسرعة، فلا يقتنعون بها، ويحاولون الخروج عليها كلما وجدوها تزاحم رغبة من رغباتهم، ويحاولون أن يحملوا سلبيات مخالفة التشريع على الله، وإيجاد التبارير للمخالف. لأن البشر معتاد على الاعتراف –وحتى الإيمان– بالقوة المهيمنة ولو بغير حق، وغير معتاد على الاعتراف –مجرد الاعتراف– بالحق إذا لم يكن مهيمناً. لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ - بوابة الفتح. ويسعى –عن طريق المناقشة، وإظهار عدم القناعة– إلى إبطال الدين، لإراحة ضميره، وإبعاد اللوم عن نفسه، ظناً منه بأن هذه المحاولات تغير الواقع، بينما الواقع قائم مفروض، يجري أحكامه على المطيع والعاصي، والجاهل والعالم. فالتشريع –كالتكوين– لا يغيره الجهل أو التجاهل، والقناعة أو عدم القناعة. فالجاهل إذا لم يتعلم، وغير المقتنع إذا لم يسع إلى الاقتناع؛ إنما يعرض نفسه، وستنعكس عليه سلبياته.
وقد أمر -سبحانه- بالعدل: ( إِنَّ اللَّـهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ) (النحل:90) ، ( وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) (النساء:58) ، ( وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) (الأنعام:152) ، وفي الحديث المتفق عليه: ( فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ). وحرَّم الظلم على نفسه، وجعله بين الناس مُحرَّمًا: ( يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا) (رواه مسلم). وقال -تعالى-: ( إِنَّ اللَّـهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) (النساء:40). قال الإمام الطحاوي -رحمه الله-: "يهدي مَن يشاء، ويعصم ويعافي فضلًا، ويضل مَن يشاء، ويخذل ويبتلي عدلًا" (الطحاوية). وأما كمال رحمته، فقد وسعت كل شيء: ( وَرَحمَتي وَسِعَت كُلَّ شَيءٍ) (الأعراف:156) ، فسبحانه حليم لا يعجل، يُمهل عباده، ولا يعاجلهم بعقابه، مع قدرته عليهم، سبقت رحمته غضبه، وفي الحديث المتفق عليه: ( لَمَّا قَضَى اللَّهُ الخَلْقَ، كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي)؛ يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويفرح بتوبة مَن تاب إليه وأناب.
رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح. وروي في الأثر: "حب الدنيا رأس كل خطيئة"، وقال بعض السلف: "من أحب الدرهم والدينار فليتهيأ للذل"، ولما نظر الإمام الحسن البصري رحمه الله إلى بعض أهل زمانه ورأى تكالبهم على الدنيا وغفلتهم عن الآخرة قال: " أمؤمنون بيوم الحساب هؤلاء! كلا كذبوا ومالك يوم الدين".
حكايات لا تنسى - الراعي و الذئب - YouTube
يُحكى أنه كان هناك في قرية صغيرة على سفح الجبل فتى اسمه تيمور، كان يعمل كراعي لأغنام أهل القرية. وفي كل صباح، كان الراعي تيمور يأخذ الأغنام إلى الجبل كي تأكل العشب وترتع وتلعب هناك، ثم يعود بها في المساء إلى القرية. وكان تيمور دائم الكذب ويتسلى بالكذب على الناس كثيراً. وذات يوم شعر تيمور بالملل، فأراد أن يرفه على نفسه بالمزاح مع أهل القرية، فأخذ يصيح ويستغيث قائلا: "لنجدة! ساعدوني! هناك ذئب يريد افتراس أغنامكم.. فهرع إليه كل أهل القرية كي ينقضوا قطيع الأغنام من ذلك الذئب، ولكنهم اكتشفوا أن تيمور كان يمزح ويكذب عليهم، فعادوا إلى القرية منزعجين من مزاحه الثقيل. وبعد أيام أعاد تيمور الكرّة، ونفس الكذبة فأخذ يصيح قائلا: النجدة! ساعدوني! هناك ذئب يريد افتراس أغنامكم.. وهرع أهل القرية من جديد وهم يركضون لنجدته ،ولما وصلوا واكتشفوا كذبه، غضبوا منه وأصبخوا يلقبونه بتيمور الكذّاب. وذات يوم، بينما كان الراعي تيمور في الجبل، إذ بذئب ضخم يظهر من بين الصخور ويهجم على الأغنام ليفترسها. فصاح تيمور طالباً النجدة من أهل القرية وصرخ قائلاً: "النجدة! قصة الراعي الكذاب لرياض الاطفال. النجدة! ساعدوني! هناك ذئب يريد افتراس أغنامكم النجدة أرجوكم! "
قصة وعبرة وفي يوم من الأيام ظهر ذئب في الحقيقة أمام الراعي، وبدأ يهاجمه هو وغنمه، بدأ الراعي يستغيث ويستنجد بأهل القرية ولكن هذه المرة كان يستنجد بقوة، ولكنهم سمعوه وتجاهلوا نداءه، لأنهم ظنوا أنه يكذب عليهم من جديد، وأكل الذئب من غنم الراعي حتى شبع، وتركه وذهب، وبكى الراعي حسرة على فقدانه لغنمه، فالكذَاب لا يصدقه أحد حتى ولو صدق، فالصدق منجاة والكذب مهواة. مهندس كهرباء أعمل خبرة بمجال التدوين والكتابة منذ أكثر من عامين، أحب الإطلاع والقراءة ومعرفة كل ما هو جديد.
لا كذب بعد اليوم: وعندما نجى شهاب من هذه الحادثة ذهب إلى أهل القرية ليسألهم وقد تملكته الحيرة لماذا لم يساعدوه؟ فأجابه رجال القرية بأن كثرة كذبه عليهم أسقطت عدالته ومروءته ولذلك لم يأخذوا بصراخه وبالتالي لم يقدموا له المساعدة، فقدَّم أحد الرجال له نصيحة فقال له: إن من شروط صحة الحديث عند المحدثين عدالة الراوي ليؤخذ بحديثه، وكذلك يا شهاب كان يجدر بك أن تكون عدل وصادق، فلما خسرت عدالتك لم يصدقك أهل القرية، فأدرك شهاب أنه خسر مروءته وعدالته بين الناس. ندم شهاب على ما كان منه من كذب ووعد أهل القرية بأنه لا كذب بعد اليوم وجعل يبكي ندمًا وحسرةً على ما فعل بنفسه، فسامحه أهل القرية وأخبروه بأن هناك فرصة ومجال للتوبة فإن الله لا يقفل بابه أمام رجلٍ تائب، فرح شهاب واستغفر ربه وتاب وأناب وقرر ألا يعود لمثل فعلته أبدًا. ما يستفاد من القصة: 1. الصدق نجاة للعبد والكذب فيه هلاكه. 2. كثرة الكذب تميت القلب. 3. يجب على الإنسان أن يلتزم الصدق في جميع تعاملاته حتى في الضحك فلا يجوز له إلقاء النكات الكاذبة فقط من أجل الضحك. 4. أن الله جعل باب التوبة مفتوح على مصرعيه ليحرص المذنب على التحلل والتوبة من ذنبه.