دعوى وردها: يقولون: إن فلاناً غيبي أي يؤمن بالغيبيات، فالملحدون والماديون والفجّار إذا أرادوا أن ينتقصوا من إنسان مؤمن قالوا عنه: غيبي مع أن الإيمان بالغيب هو إيمان بوجود الإنسان، وقد قال ديكارت كلمة: أنا أفكر فأنا موجود، استنتج حقيقة وجوده من تفكيره، فالإيمان بالغيبيات إيمان قوي، وإيمان متين، وإيمان عميق، وهذه نقطة هامة جداً. 2- طريق الإيمان بالغيبيات هو الخبر الصادق: وهناك الإيمان بالملائكة، والجنة، والنار، واليوم الآخر، فإن الإيمان بتلك الأشياء وسيلةُ معرفتها الخبرُ الصادق فقط، فالإيمان بالله عز وجل إيمان تحقيقي، ولكن الإيمان بالملائكة إيمان تصديقي، لأن الله سبحانه وتعالى أخبرنا عنهم، وما إلى ذلك من عوالم الغيب البعيدة عن إدراك الحواس، إذا آمنت بالله إيماناً صحيحاً وأخبرك عن الجنة, و النار, و الملائكة, و عن الجن، و عن الشياطين، فهذا هو الطريق الوحيد لمعرفة هذه الأشياء المغيبة عنا بكنها وآثارها, هناك أشياء عينها موجودة وأشياء آثارها موجودة، وهناك أشياء لا عينها ولا آثارها موجودة، وهذه الأشياء تعرفها بالخبر الصادق. فالوحي: هو الطريق الوحيدة لتعريفنا بحقائق الأشياء الداخلة في عالم الغيب.
إن الإيمان بالله سبحانه و تعالى تنفي العبثية و الصدفة عن خلق الإنسان و خلق الكون و ما فيه.
ما تفسير قوله تعالى علم الله انكم كنتم تختانون انفسكم
تفسير قوله علم انكم كنتم تختانون انفسكم يقول ابن كثير ان القصد من قول الله عز و جل: "علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم" اي ان الله يعلم ايها المسلمون انكم تجامعون النساء و تأكلون و تشربون بعد العشاء، فتاب عليكم و عفا عنكم فالآن باشروهن و جامعوهن و ابتغوا ما كتب الله لكم، و كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل، فكان ذلك عفوا من الله وررحمة. سبب النزول يقول ابن كثير في تفسيره للآية: كان الناس في رمضان إذا صام الرجل فأمسى فنام، حرم عليه الطعام و الشراب و النساء حتى يفطر من الغد، فرجع عمر بن الخطاب من عند النبي صلى الله عليه و سلم ذات ليلة و قد سمر عنده، فوجد امرأته قد نامت فأرادها، فقالت: إني قد نمت، فقال: ما نمت، ثم وقع بها، و صنع كعب بن مالك مثل ذلك، فغدا عمر بن الخطاب إلى النبي صلى الله عليه و سلم فأخبره فأنزل الله: "علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم و عفا عنكم فالآن باشروهن".
( 12). والحمد لله رب العالمين الشيخ محمد صنقور 1 - سورة البفرة آية رقم 187. 2 - سورة البفرة آية رقم 187. 3 - عمدة القاري - العيني - ج 10 ص 289. 4 - جامع البيان - إبن جرير الطبري - ج 2 ص 226. 5 - جامع البيان - إبن جرير الطبري - ج 2 ص 225. 6 - جامع البيان - إبن جرير الطبري - ج 2 ص 225. تفسير علم الله انكم كنتم تختانون انفسكم. 7 - مسند احمد - الإمام احمد بن حنبل - ج 3 ص 460. 8 - العجاب في بيان الأسباب - ابن حجر العسقلاني - ج 1 ص 437. 9 - صحيح البخاري - البخاري - ج 2 ص 230. 10 - جامع البيان - إبن جرير الطبري - ج 2 ص 224. 11 - جامع البيان - إبن جرير الطبري - ج 2 ص 226. 12 - وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج 10 ص 114.
السؤال: فصل في تفسير قوله تعالى: {ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم} الإجابة: فصــل: فى قوله تعالى: { وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} [ النساء : 107] فقوله:{ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ} مثل قوله فى سورة البقرة :{ عَلِمَ الله أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ} [البقرة:187]، قال ابن قتيبة وطائفة من المفسرين: معناه تخونون أنفسكم. زاد بعضهم: تظلمونها. فجعلوا الأنفس مفعول (تختانون)، وجعلوا الإنسان قد خان نفسه، أي ظلمها بالسرقة كما فعل ابن أُبَيْرِق أو بجماع امرأته ليلة الصيام كما فعل بعض الصحابة وهذا القول فيه نظر؛ فإن كل ذنب يذنبه الإنسان فقد ظلم فيه نفسه، سواء فعله سراً أو علانية. تفسير قوله تعالى " علم الله انكم كنتم تختانون انفسكم " | المرسال. وإذا كان اختيان النفس هو ظلمها أو ارتكاب ما حرم عليها، كان كل مذنب مختاناً لنفسه، وإن جهر بالذنوب، وكان كفر الكافرين وقتالهم للأنبياء وللمؤمنين اختياناً لأنفسهم، وكذلك قطع الطريق والمحاربة، وكذلك الظلم الظاهر، وكان ما فعله قوم نوح وهود، وصالح وشعيب اختياناً لأنفسهم.
ومنشأ نزول هذه الآية انَّ عدداً من الصحابة لم يصبروا وفيهم عمر بن الخطاب عاشر زوجته بعد حلول وقت فرض الصيام ليلاً, ومن جهة اخرى فإن أحد الصحابة لم يتهيأ له تناول الطعام قبل النوم حيث ذهبت زوجته لمعالجة الطعام فنام قبل إحضاره فالتزم بالامساك عن الطعام, وكان فيمن يحفر الخندق صباحاً مع المسلمين فأصابته مشقه لشدة الجوع والظمأ الذي انتابه نتيجة عدم تناوله المفطر ليلاً فكان يُغشى عليه, فلهذا وذاك نزلت الآية المباركة لتنسخ الحكم بوجوب الصوم بعد العشاء الآخرة وتفرضه من حين طلوع الفجر. تفسير ايه علم الله انكم كنتم تختانون انفسكم. فمنشأ النزول انَّ عدداً كانوا يختانون أنفسهم فيعاشروا زوجاتهم في ليالى الصيام وانَّ أخرين كان يفوتهم الإفطار قبل العشاء أو قبل النوم فيشق عليهم الصبر إلى غروب اليوم الثاني. وما ذكرناه في سبب نزول قوله ﴿عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ قد ذكره أكثر مفسري العامة فقد روي - ذلك كما أفاد العيني في عمدة القاري- عن مجاهد وعطاء وعكرمة والسدي وقتادة وغيرهم في سبب نزول هذه الآية في عمر بن الخطاب" (3). وفي جامع البيان للطبرى بسنده عن مجاهد في قوله تعالى ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلى نِسَآئِكُمْ﴾ قال: كان الرجل من أصحاب محمد (ص) يصوم الصيام بالنهار، فإذا أمسى أكل وشرب وجامع، فإذا رقد حرم ذلك كله عليه إلى مثلها من القابلة، وكان منهم رجال يختانون أنفسهم وكان عمر بن الخطاب ممن اختان نفسه فعفا الله عنهم، وأحل لهم بعد الرقاد وقبله في الليل كله"(4).
وقد قيل: إن الجماع ليلة الصيام كانوا منهيين عنه مطلقاً، بخلاف الأكل، فإنه كان مباحاً قبل النوم، وقد روى أن عمر جامع امرأته بعد العشاء قبل النوم، وأنه لما فعل أخذ يلوم نفسه، فأتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال " يا رسول الله، أعتذر إلى الله من نفسي هذه الخائنة، إني رجعت إلى أهلي بعد ما صليت العشاء فوجدت رائحة طيبة، فسولت لي نفسي، فجامعت أهلي، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: ما كنت جديراً بذلك يا عمر" ، وجاء طائفة من الصحابة فذكروا مثل ذلك فأنزل الله هذه الآية . فهذا فيه أن نفسه الخاطئة سولت له ذلك، ودعته إليه، وأنه أخذ يلومها بعد الفعل، فالنفس هنا هي الخائنة الظالمة، والإنسان تدعوه نفسه فى السر إذا لم يره أحد إلى أفعال لا تدعو إليها علانية، وعقله ينهاه عن تلك الأفعال، ونفسه تغلبه عليها.