وقد يكون من أسباب وقوعك في الحرام مع إعلان توبتك أنك لا تأخذ بالأسباب اللازمة للبعد منه، وأنك ترعى حول الحمى، ومن رعى حول الحمى أوشك أن يقع فيه. فإطلاق البصر في النساء أو الصور الخليعة، والخلوة بالأجنبيات وعدم التحرز من ذلك من أسباب الوقوع في الحرام. والله جل وعلا حرم ذلك، لأنه وسيلة إلى الحرام، وهو من خطوات الشيطان، وقد قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر) [التوبة: 21]. التوبه من الذنب المتكرر يا رب. فاصدق مع الله يصدقك الله تعالى. والله أعلم.
والمذنب عليه أن يرجع إلى الله، ويندم على ذنوبه الماضية، ويعزم أن لا يعود فيها، وبذلك يغفر الله له. وحقيقة التوبة تشمل ثلاثة أمور: الأمر الأول: الندم على الماضي، والحزن على ما مضى من سيئاته: من زنا، أو شرب خمر، أو عقوق، أو ربا، أو أكل مال اليتيم، أو غير هذا من المعاصي، عليه أن يندم على ذلك ندمًا عظيمًا، ويحزن على ما مضى منه. وعليه أن يقلع من هذه الذنوب وعليه أن يتركها ويحذرها. وعليه أمر ثالث: وهو العزم الصادق أن لا يعود. هكذا التوبة تشمل هذه الأمور الثلاثة: أن يندم على الماضي منهاـ مهما كانت عظيمة، حتى الكفر. والأمر الثاني: أن يقلع منها ويحذرها. التوبه من الذنب المتكرر. الأمر الثالث: أن يعزم عزمًا صادقًا أن لا يعود فيها. وهناك شرط رابع عام لجميع الأعمال، وهو النية أن تكون لله وحده، أن يتوب لله وحده؛ لأن الله قال: تُوبُوا إِلَى اللَّهِ [التحريم:8] يقصد وجهه سبحانه رغبة فيما عنده، وحذرًا من عقابه، فهو يندم على ما مضى، ويعزم أن لا يعود، ويقلع منها خوفًا من الله، وتعظيمًا له، وإخلاصًا له ، وهكذا بقية العبادات كلها لا بد فيها أن تكون لله من صلاة وصوم وصدقة، وغير ذلك. ومن تمام التوبة، ومن أسباب بقائها: أن يلزم الأخيار، ويبتعد عن صحبة الأشرار الذين يجرونه إلى المعاصي، فهذا من أسباب بقاء التوبة.
فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ (44) في قوله تعالى: فقولا له قولا لينا دليل على جواز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأن ذلك يكون باللين من القول لمن معه القوة ، وضمنت له العصمة ، ألا تراه قال: فقولا له قولا لينا وقال: لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى فكيف بنا فنحن أولى بذلك. وحينئذ يحصل الآمر والناهي على مرغوبه ، ويظفر بمطلوبه ؛ وهذا واضح. واختلف الناس في معنى قوله: لينا فقالت فرقة منهم الكلبي وعكرمة: معناه كنياه ؛ وقاله ابن عباس ومجاهد والسدي. ثم قيل: وكنيته أبو العباس. تفسير: اذهبا إلى فرعون انه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر او يخشى - YouTube. وقيل: أبو الوليد. وقيل: أبو مرة ؛ فعلى هذا القول تكنية الكافر جائزة إذا كان وجيها ذا شرف وطمع بإسلامه. وقد يجوز ذلك وإن لم يطمع بإسلامه ، لأن الطمع ليس بحقيقة توجب عملا. وقد قال - صلى الله عليه وسلم - إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه ولم يقل وإن طمعتم في إسلامه ، ومن الإكرام دعاؤه بالكنية. وقد قال - صلى الله عليه وسلم - لصفوان بن أمية: انزل أبا وهب فكناه. وقال لسعد: ألم تسمع ما يقول أبو حباب يعني عبد الله بن أبي. وروي في الإسرائيليات أن موسى - عليه السلام - قام على باب فرعون سنة ، لا يجد رسولا يبلغ كلاما حتى خرج.
وقد تقدم. قال الزجاج { لعل} لفظة طمع وترج فخاطبهم بما يعقلون. وقيل { لعل} ها هنا بمعنى الاستفهام، والمعنى فانظر هل يتذكر. وقيل: هل يتذكر. وقيل: هو إخبار من الله تعالى عن قول هارون لموسى لعله يتذكر أو يخشى؛ قاله الحسن. تفسير: (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى). وقيل: إن لعل وعسى في جميع القرآن لما قد وقع. وقد تذكر فرعون حين أدركه الغرق وخشي فقال { آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين} [يونس: 90] ولكن لم ينفعه ذلك؛ قاله أبو بكر الوراق وغيره وقال يحيي بن معاذ في هذه الآية: هذا رفقك بمن يقول أنا الإله فكيف رفقك بمن يقول أنت الإله؟!. وقد قيل: إن فرعون ركن إلى قول موسى لما دعاه، وشاور امرأته فآمنت وأشارت عليه بالإيمان، فشاور هامان فقال: لا تفعل؛ بعد أن كنت مالكا تصير مملوكا، وبعد أن كنت ربا تصير مربوبا. وقال له: أنا أردك شابا فخضب لحيته بالسواد فهو أول من خضب. الشيخ الشعراوي - فيديو سورة طه الايات 37 - 50 تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي وهل هناك طغيان فوق ادعاء أنه رَبٌّ؟ وقد قال تعالى في موضع آخر: { وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ ٱلْمُسْرِفِينَ} [يونس: 83] والمسرف: هو الذي يتجاوز الحدود، وهو قد تجاوز في إسرافه وادَّعى الألوهية، فعَلاَ في الأرض علوَّ طاغية من البشر على غيره من البشر المستضعفين.
واعلموا أن واجبكم الإرشاد والتوجيه، وليس الهداية وامتحان الناس وتزكيتهم أو تجهيلهم وتسفيههم، وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم هي الدليل والشاهد والبرهان، إذ كان آية في اللطف واللين والسماحة وحب الخير للآخرين. بل أنه عليه الصلاة والسلام كان لين الجانب حتى مع من أعلمه الله بنفاقهم وشرهم وبغضهم له ولأصحابه، فاستغفر لهم، ولو علم بأن الله سيغفر لهم، لأكثر منه وما مل ولا كل. ابتعدوا عن ثقافة التجهم في وجوه الناس، أو الابتسامة في وجوههم بأسلوب مزيّف مفضوح، واجعلوا قلوبكم صافية نقية تجاه كل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
ولهذا كان من الضروري للرساليين أن يخططوا في الدعوة، من أجل تغيير المفهوم المنحرف لدى هؤلاء، لتتغير القاعدة الفكرية التي ينطلقون منها في ما يفكرون وفي ما يتحركون.
وقد قدمنا أيضا أن " لعل " تأتي في العربية للتعليل. ومنه قوله: فقلتم لنا كفوا الحروب لعلنا نكف ووثقتم لنا كل موثق فلما كففنا الحرب كانت عهودكم كشبه سراب بالملا متألق فقوله: " لعلنا نكف " أي لأجل أن نكف. وقال بعض أهل العلم: لعله يتذكر أو يخشى معناه على رجائكما وطمعكما ، فالترجي ، والتوقع المدلول عليه بلعل راجع إلى جهة البشر. وعزا القرطبي هذا القول لكبراء النحويين كسيبويه ، وغيره.