* * * وقوله: " وأولئك هم المفلحون " ، يعني: المنجحون عند الله الباقون في جناته ونعيمه. * * * وقد دللنا على معنى " الإفلاح " في غير هذا الموضع، بما أغنى عن إعادته هاهنا. (77) * * * 7595- حدثنا أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا عيسى بن عمر القارئ، عن أبي عون الثقفي: أنه سمع صُبيحًا قال: سمعت عثمان يقرأ: ( " وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الخَيْرِ وَيَأمُرُونَ بالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَيَسْتَعِينُونَ اللهَ عَلَى مَا أَصَابَهُم "). (78) 7596- حدثني أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو ابن دينار قال: سمعت ابن الزبير يقرأ، فذكر مثل قراءة عثمان التي ذكرناها قبل سواء. 7597- حدثنا يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا جويبر ، عن الضحاك: " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " ، قال: هم خاصة أصحابِ رسول الله، وهم خاصَّة الرواة. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة التوبة - الآية 71. (79) ----------------- الهوامش: (74) انظر تفسير "أمة" فيما سلف 1: 221 / 3: 74 ، 100 ، 128 ، 141 ، 275 - 277. (75) انظر تفسير "الخير" فيما سلف 2: 505. (76) انظر تفسير "المعروف" فيما سلف 3: 293 / 4: 547 ، 548 / 5: 44 ، 76 ، 93 ، 137 ، 520.
[1] [1] إن علماء السلف الصالحين أنكروا علناً وصراحة على أمثال عبد الملك وهشام والمنصور والرشيد، وهم مَنْ هم في الدفاع عن الإسلام وإقامة شعائره، ولا يقارنون أبداً بحكام اليوم، لأن أولئك فتحوا البلدان وأقاموا علم الجهاد، وهؤلاء سلموا البلاد للأعداء، وأولئك حفظوا الشريعة - على أخطاء وتقصير في بعض الأمور - وهؤلاء أضاعوها. بل أضاعوا الدين والدنيا وجعلوا المسلمين في آخر الركب ومن أضعف الشعوب، وحولوا الأوطان إلى سجن كبير.
ليست مهمة العلماء التربية على كتف الحاكم الظالم والسكوت عن المنكرات واللجوء إلى نصوص مقطوعة عن بداياتها ونهاياتها لتبرير ما يفعله الحكام، أو يجرون وراء أقوال عامة صحيحة ولكنها لا تنطبق على الواقع اليوم، أو السكوت عما يفعله الحكام متذرعين بـ (الحكمة) هذه الكلمة التي أسيء استعمالها كثيراً، فليس هناك عاقل يقول: إن إخفاء عيوب الأمة خير من بيانها، أو أن الأحسن في حق المريض ألا يخبر بمرضه أو يحذر من عاقبة إهماله. إن من أكثر الأشياء إيلاماً للنفس أن تُحرف نصوص الكتاب والسنة لخدمة الطغاة المفسدين في الأرض، أيكون الإسلام الذي جاء لتحرير الناس من عبودية الناس هو الذي يدعو للقبول بالظلم والسكوت عن المنكرات؟!. ليس المطلوب من العلماء شيئاً فوق طاقتهم، أو أكبر مما يحتملون، فإن لم يستطيعوا قول الحق جهاراً نهاراً، فليمارسوا أضعف الإيمان، وهو مقاطعة الظلمة وعدم مجاراتهم أو تبرير أعمالهم، وهو ما يسمى الآن (بالعمل السلبي) وهذا هو معنى الإنكار بالقلب، أما المداهنة أو السكوت عن باطلهم والقول في السر "اللهم إن هذا منكراً لا أرضاه" فليس ذلك من أضعف الإيمان في شيء. يقول ابن حزم رحمه الله: "فأما الفرض الذي لا يسع أحداً فيه تقية، فأن لا يعين ظالماً بيده ولا بلسانه، ولا أن يُزيّن له فعله، ويُصوّب شرّه ويعاديهم بنيته ولسانه عند من يأمن على نفسه... ".
قال تعالى: ﴿ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [التوبة: 67]. صنف خبيث من الناس يتقن، بل ويتفنَّن في تلك الأساليب الشيطانية، لصرف الناس عن الخير، وحضِّهم على فعل المنكر، ذلك نهج حياتهم، وأعجب من ذلك، أنهم زيَّنوا لكثير من المسلمين ذلك، فوقع في هذا الإثم من أصابتهم الغفلة، واستولى عليهم البَلَهُ، وجَنَت عليهم السَّذاجة. إنهم لا يتخيلون أي معروف إلا ونهوا عنه، وحاولوا الحيلولة بين فعله وبين المؤمنين. راقَبُوا المساجد، وشدَّدوا الحصار على ما يُقال فيها، بينما لم يستطيعوا - عفوًا - لم يفكِّروا فيما يدور في البِيَعِ والأديرة والكنائس، ولا يجرؤون على ذلك. منعوا حكم الله تعالى، وشوَّهوا صورته، وحالوا بين الناس والوصول إليه. حاربوا الحجاب، وباركوا التبرج والسفور. حاربوا الفضيلة، وشجَّعوا اللهو والرقص والاختلاط. دافعوا عن الرِّبا، وحاربوا كل اقتصاد يقوم بنيانه على تقوى من الله تعالى... إن الشياطين لم يكتفوا بوقوعهم في الإثم ، وانغماسهم في الشرِّ والشهوات، بل دَعَوْا وتمنَّوْا أن يقع المسلمون في الإثم مثلهم، ﴿ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ﴾ [النساء: 89].