وقوله تعالى: ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة الآية; والأول أشبه; لأن الطريقة معرفة بالألف واللام ، فالأوجب أن تكون طريقته طريقة الهدى; ولأن الاستقامة لا تكون إلا مع الهدى. وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا. قالوا: وما زهرة الدنيا ؟ قال: بركات الأرض وذكر الحديث. وقال - عليه السلام -: فوالله ما الفقر أخشى عليكم ، وإنما أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم. قوله تعالى: ومن يعرض عن ذكر ربه يعني القرآن; قاله ابن زيد. وفي إعراضه عنه وجهان: أحدهما: عن القبول ، إن قيل إنها في أهل الكفر. الثاني: عن العمل ، إن قيل إنها في المؤمنين. الإلحاد: أسبابه، أنواعه، ونصائح في دعوة الملحدين - إسلام أون لاين. وقيل: ومن يعرض عن ذكر ربه أي لم يشكر نعمه يسلكه عذابا صعدا قرأ الكوفيون وعياش عن أبي عمرو يسلكه بالياء واختاره أبو عبيد وأبو حاتم; لذكر اسم الله أولا فقال: ومن يعرض عن ذكر ربه. الباقون نسلكه بالنون. وروي عن مسلم بن جندب ضم النون وكسر اللام. وكذلك قرأ طلحة والأعرج وهما لغتان ، سلكه وأسلكه بمعنى; أي ندخله.
{ وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا (16) لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)} [ الجن] { وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا}: لو استقام الناس على صراط الله المستقيم وطريقة الأنبياء المثلى لأغدق الله عليهم البركات من السماء والأرض, ليتختبرهم اختبار العطاء وفتنة السراء ليعلم الله من يشكر نعمه ولا يعصيه. وقليل من عباد الله الشكور, فالدنيا تغر والفتنة تسر والشيطان والنفس والهوى لابن آدم بالمرصاد. ومن يعرض عن ذكر الله ومنهجه وشرائعه يتحقق فيه موعود الله ويتخلف عنه الفوز وطريق النجاة. ومن يعرض عن ذكر ه. قال تعالى: { وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا (16) لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)} [ الجن] قال السعدي في تفسيره: فإنهم { { لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ}} المثلى { { لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا}} أي: هنيئا مريئا، ولم يمنعهم ذلك إلا ظلمهم وعدوانهم. { { لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ}} أي: لنختبرهم فيه ونمتحنهم ليظهر الصادق من الكاذب.
القول في تأويل قوله تعالى: ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ( 36) وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون ( 37)) يقول - تعالى ذكره -: ومن يعرض عن ذكر الله فلم يخف سطوته ، ولم يخش عقابه ( نقيض له شيطانا فهو له قرين) يقول: نجعل له شيطانا يغويه فهو له قرين: يقول: فهو للشيطان قرين ، أي يصير كذلك ، وأصل العشو: النظر بغير ثبت لعلة في العين ، يقال منه: عشا فلان يعشو عشوا وعشوا: إذا ضعف بصره ، وأظلمت عينه ، كأن عليه غشاوة ، كما قال الشاعر ؟ متى تأته تعشو إلى ضوء ناره تجد حطبا جزلا ونارا تأججا [ ص: 604] يعني: متى تفتقر فتأته يعنك. وأما إذا ذهب البصر ولم يبصر ، فإنه يقال فيه: عشي فلان يعشى عشى منقوص ، ومنه قول الأعشى ؟ رأت رجلا غائب الوافدين مختلف الخلق أعشى ضريرا يقال منه: رجل أعشى وامرأة عشواء. الجمع بين قوله تعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا) وبين ما يجده الكفار من السعادة - الإسلام سؤال وجواب. وإنما معنى الكلام: ومن لا ينظر في حجج الله بالإعراض منه عنه إلا نظرا ضعيفا ، كنظر من قد عشي بصره ( نقيض له شيطانا). وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد ، عن قتادة قوله: ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا) يقول: إذا أعرض عن ذكر الله نقيض له شيطانا ( فهو له قرين).
فإن الطهارة شرط في كل مكان. قال عمر بن عبد العزيز -رضي اللَّه عنه-، لا تدخلوا على هؤلاء كنائسهم فإن السخط ينزل عليهم وهذا إذا لم يكن فيها تصاوير فإن كانت حرم دخولها والصلاة فيها انتهى.
من توفيق الله للعبد وإرادته الخير له أن يفقهه في الدين، ومن فقهه الله في الدين فيجوز أن يغبطه الإنسان ويتمنى أن يعلمه الله كما علم ذاك الرجل. ومن فقهه الله في الدين فلا ينبغي له أن يكتم العلم إلا لحاجة شرعية، كما أن عليه ألا يفتخر على الناس بعلمه، وأن يتواضع لمن سأله عن هذا العلم.
ثم استجاب آدم لغواية الشيطان وأهبط إلى الأرض: "فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لّا يَبْلَى * فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى * قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى" (طه، الآيات 120-123). ومن هنا بدأت المسيرة البشرية على الأرض في ظل الكلمات الإلهية، وأصبح قانونها: "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا". فكلما استقام البشر على ذكر الله عز وجل بالإيمان به، واتّباع أحكامه وشرائعه، والتخلق بالخلق الحسن، حسنت معيشتهم؛ وكلما أعرضوا ضنكت معيشتهم وضاقت. ومن يعرض عن ذكر الله وعن الصلاه. ولذلك، إن ما نعرفه عن بؤس بعض الحضارات القديمة، إنما هو بسبب بعدهم عن ذكر الله ودينه وتوحيده والإيمان به. ومن هنا نجد التناقض الرهيب في واقع الحضارات القديمة؛ فهي طوراً تكون متقدمة وقوية وغنية وتمتلك معارف وعلوما، ويظهر هذا في بقايا حضاراتهم من مبانٍ وأدوات وتراث، وطورا تراهم متخلفين ضعفاء فقراء، يتسلط عليهم السحرة والمشعوذون والشياطين، وتنتشر بينهم الخرافات، ويعيشون عرايا كالبهائم.