مع نهاية الحرب العالمية الأولى، وقّعت السلطنة العثمانية على تسليم اراضيها للتحالف الفرنسي-البريطاني ضمن اتفاقية الاستسلام، ومن ضمنها المدينة المنورة. صدرت الى فخر الدين باشا الأوامر من قِبل الحكومة العثمانية بالانسحاب من المدينة المنورة وتسليمها إلى قوات الحلفاء، ولكنه رفض تنفيذ أوامر قيادته و حكومته، فكتب إليه الصدر الأعظم أحمد عزت باشا – وهو يبكي– رسالة يأمره بتسليم المدينة المنورة تطبيقاً للمعاهدة، وأرسل رسالته هذه مع ضابط برتبة نقيب. ولكن فخر الدين باشا حبس هذا الضابط، وأرسل رسالة إلى الصدر الأعظم قال فيها: إن مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تشبه أي مدينة أخرى لذا فلا تكفي أوامر الصدر الأعظم في هذا الشأن، بل عليه أن يستلم أمراً من الخليفة نفسه. كان في الحقيقة يبحث عن أي عذر لرفض الانسحاب. وهكذا صدر أمر من الخليفة نفسه إلى فخر الدين باشا بتسليم المدينة، وأرسل الأمر السلطاني بواسطة وزير العدل. سُدَّت الطرق بوجه فخر الدين باشا فأرسل جوابًا مفاده: " إن الخليفة يُعد الآن أسيراً في يد الحلفاء؛ لذا فلا توجد له إرادة مستقلة، فأنا أرفض تطبيق أوامره وأرفض الاستسلام". وبدأ الطعام يقل في المدينة، كما شحّت الأدوية وتفشت الأمراض بين جنود الحامية، وكذلك بين أهالي المدينة، فكانوا نقطة في بحر الصحراء محاصرين ومنقطعين عن العالم.
ويستطرد أورخان: احتار نائبه والضباط ولم يدروا كيف يتصرفون، تشاوروا فيما بينهم ثم قرروا أن يأخذوه قسرًا، اقتربوا من فراشه وأحاطوا به وحملوه قسرًا إلى الخيمة المعدة له وهم يبكون، كانوا يعرفون مدى حب قائدهم للرسول، ولماذا يعاند كل هذا العناد رافضًا الابتعاد من عند رسول الله، ولكنهم لم يكونوا يستطيعون ترك قائدهم هكذا وحيدًا هناك، وقد حدث هذا في يوم 10/1/1919. في اليوم الثاني اصطف الجنود العثمانيون صفوفًا أمام المسجد النبوي، وكان كل جندي يدخل ويزور ضريح رسول الله ويبكي ثم يخرج، وكذلك الضباط، ولم يبق أحد لم يسكب دموعًا حارة في لحظة الوداع المؤثرة هذه حتى سكان المدينة وقوات البدو بكوا من هذا المنظر. ويتابع: عندما نقل فخر الدين باشا إلى الخيمة المعدة له كان هناك الآلاف من قوات البدو يحيطون بالخيمة ويشتاقون إلى رؤية هذا البطل الذي أصبح أسطورة، وما أن ظهر حتى ارتجت الصحراء بنداء: "فخر الدين باشا.. فخر الدين باشا! ". لم يكن هناك من لم تبهره بطولته وحبه لرسول الله، وفي 13/1/1919م دخلت قوات البدو حسب الاتفاقية إلى المدينة، واستسلمت الحامية العثمانية في المدينة المنورة بعد 72 يومًا من توقيع معاهدة موندروس.
[2] المدينة قديماً مولده وحياته المبكرة [ عدل] هو عمر فخر الدين بن محمد ناهد بن عمر ،المشهور (بفخري باشا) ولد في مدينة روسجوك العثمانية ( روسه اليوم) سنة 1869م ،أمه هي فاطمة عادل خانم وأبوه هو محمد ناهد بيه ،انتقلت عائلته إلى الآستانة بسبب الحرب الروسية العثمانية [3] [4] عام 1878. سيرته [ عدل] التحق بالمدرسة الحربية في الآستانة وتخرج منها عام 1888م ، وكان الأول على زملائه والتحق بدورات ملازمي الفرسان وأركان حرب. وعمل في الجيش الرابع في أزرنجان ، وكان متميزاً في عمله، رقي عام 1908م إلى رتبة وكيل رئيس أركان الجيش الرابع، وشارك في حرب البلقان ، وفي مطلع الحرب العالمية الأولى عين وكلاً لقائد الجيش الرابع المرابط في سورية، ثمّ كُلِّف بالسفر إلى المدينة للوقوف على أحوالها، فوصلها والشريف حسين يُعد لثورته على الخلافة العثمانية ، ورفع تقريراً لقيادته بذلك، فثبت في المدينة المنورة قائداً لحملة الحجاز في 17 يوليو 1916م وأضيف إليه منصب محافظ المدينة المنورة في 28 أبريل 1917م ، وأدار العمليات العسكرية التي قاومت قوات الشريف حسين وحلفائه حتى سقوط تركيا بيد الحلفاء وتوقيع هدنة رودس في 30 أكتوبر 1918م.
وبسبب خوفه من وقوعها في أيدي الإنجليز جمع الأمانات المقدسة الموجودة بالمدينة وأرسلها إلى إسطنبول بصحبة ألفي جندي رغم حاجته إلى كل جندي في المدينة. وذكر إيبشيرلي أن الشريف حسين الذي تمرد على الدولة العثمانية بتحريض الإنجليز دفع ثمن خيانته، وأن الإنجليز خدعوه ولم يقدموا له ما وعوده به وبقي في النهاية ذليلاً لا يدري ماذا يفعل. ** حماية الأمانات المقدسة أما المؤرخ والكاتب التركي عزمي أوزجان، فقال إن فخر الدين باشا من أكثر الشخصيات التي تستحق لقب بطل في التاريخ. وأضاف أنه قائد لملحمة مستمرة من الماضي حتى يومنا هذا، وأن أول ما يخطر على البال عند ذكر اسمه هو نقل الأمانات المقدسة إلى قصر "طوب قابي سراي" في إسطنبول. وتابع أوزجان: "الدفاع عن المدينة لم يكن مجرد دفاع عن جبهة ما في الحرب بل يجب تقييمها على أنها صفحة من الصفحات التي تزين التاريخ الإسلامي الذي كان أمانة في يد الأتراك". ولفت أوزجان إلى ضرورة نقل ملحمة الدفاع عن المدينة إلى الأجيال الجديدة عبر القيام بأعمال فنية مختلفة. واستطرد: "حدثت أحداث مأساوية كثيرة خلال الدفاع عن المدينة، ورغم صدور الأوامر له من إسطنبول بالاستسلام قال لجنوده إنه لا يمكنه تسليم قبر النبي والأمانات المقدسة للأعداء".
ولم تتمكن الحكومة العثمانية من إرسال أي تعزيزات بسبب سيطرة حلفاء الإنكليز وانسحاب القوات العثمانية من الحجاز، فلم تبقَ إلا حامية فخر الدين باشا، وكان أقرب جيش عثماني يبعد عنها 1300 كيلومتر. قرّرت الحكومة العثمانية إخلاء المدينة. إلا أن فخر الدين أرسل رسالة إلى رئيس الحكومة أنور باشا يتوسّله فيها قائلًا: "لماذا نُخلي المدينة؟ أمِن أجل أنّهم فجروا خط الحجاز؟ ألا تستطيعون إمدادي بفوج واحد فقط مع بطارية مدفعية؟ أمهلوني مدة فقط أستطيع التفاهم مع القبائل العربية. لن أُنزِل الراية الحمراء بيدي من على حصن المدينة، وإن كُنتُم مُخليها حقًا فأرسلوا قائدًا آخر مكاني". وظلّ فخر الدّين باشا يُردّد "الدّفاع عن المدينة المنورة قائم حتى يحل علينا القضاء الإلهي والرضا النبوي والإرادة السلطانية، قُرَناء الشرف". خروج الدولة العثمانية من الحرب بمعاهدة "مودروس" خرجت الدولة العثمانية من الحرب بتوقيع هدنة "موندروس" بينها وبين قوات الحلفاء في 30 تشرين الأول/ أكتوبر 1918. وأعقبها احتلال إسطنبول ، وتقسيم الإمبراطورية العثمانية. إلا أنّها أٌلغيت في وقت لاحق بعد معاهدة لوزان في 24 يوليو 1923 عقب انتصار الأتراك في حرب الاستقلال التركية.
ترك برس خضعت مكة والمدينة المنورة للحكم العثماني في عام 1517 للميلاد، بعد تغلّب السلطان سليم الأول على المماليك. وقد لُقّب السلطان سليم الأول بخادم الحرمين الشريفين. وُلِدَ فخر الدين باشا في عام 1868 للميلاد. وعُيِّنَ قائدًا للفيلق العثماني الرابع برُتبة عميد في الموصل في الحرب العالمية الأولى في عام 1914، ثُمّ رُقِّيَ إلى رتبة لواء. وظهر فخر الدّين في فترة حرجة من التاريخ، تكالب فيها الحلفاء على العالم الإسلامي، وعلى الدولة العثمانية للقضاء عليها وتقسيمها. فبعد الجزائر ومصر وليبيا وتونس، جاء الدور على شبه الجزيرة العربية لتقاسُم أراضيها. العميل الإنكليزي لورنس نشر الحُلفاء عُملاءهم وجواسيسهم في الأراضي العربية لإثارة العرب على الأتراك وإثارة النّعرة القومية. وكان تجنيد العُملاء والطّامعين أهم أساليب بريطانيا لبسط سيطرتها، وكان من أبرز قادتها في هذا الصّدد "توماس لورنس" المُلقّب بـ"لورنس العرب". بدأ الإنكليز الاتصال بالشريف الحسين في أواخر عام 1914، حين وعدوا حلفاءهم في الجزيرة العربية بإقامة مملكة عربية وتنصيبهم عليها مقابل مساعدتهم في إخراج العثمانيين من الجزيرة العربية وبلاد العرب.
وانتصر أهل الباطل على أهل الحق… والآن تنتظر مكة والمدينة رجلاً يحب الله ويحب رسوله ويكون ناصراً لدين الله سبحانه. رحم الله هذا الضابط رحمةً واسعةً وإن الأمة تنتظر أمثال أنصار الله الأوائل، ليخلصوا هذا الدين، وهذه الأمة، من هذا الواقع الأليم، وليعيدوا لهذا الدين ما كان له من مجد تليد. قال تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) [غافر 51]. تصوروا هذا المشهد يحدث قريباً من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو الحي في قبره… تصوروا كيف ظاهرَ آل سعود الكفار الإنجليز على الدولة الإسلامية… فكروا كيف نخلص الأمة الإسلامية من حكامٍ، الدنيا عندهم أهم من الدين، وكرسيهم يعلو على كل مقام ولو كان مقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)… البدو، بعض القبائل العربية، آل سعود، اللاشريف حسين وأبناؤه… كلهم كانوا خنجراً طعن بهم أعداء الله الإنجليز الدولة الإسلامية في صدرها.