وحتى بعد إطلاق مبادرة الحزام والطريق عام 2013، وهي خطة الصين الطموحة لربط آسيا بأوروبا من خلال الاستثمار في البنية التحتية، كانت إيران تحت أشد العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على الإطلاق، ونمت التجارة بين الصين وإيران هامشياً على الرغم من العقوبات، لكن هذا النمو كان في الغالب يرجع إلى ظهور الصين كمورد عالمي رئيس للسلع الصناعية في الفترة نفسها، غير أن الاستثمارات الصينية في البنية التحتية للطاقة والنقل اصطدمت بجدار صلب، حيث ثبت أن مخاطر العقوبات الأميركية أكبر من أن تتحملها كبرى الشركات الصينية. هل من مكاسب أمنية؟ تثير الاتفاقية الصينية الإيرانية تساؤلات عن المكاسب الأمنية التي يمكن أن تحققها لبكين وطهران، فقد أدت التوترات بين الولايات المتحدة وإيران إلى تعقيد التجارة بين الصين وإيران، إذ يمر نحو ثلاثة ملايين برميل يومياً من النفط الخام عبر مضيق هرمز في طريقها إلى الصين، ما يجعلها أكبر عميل للنفط عبر هذا الطريق التجاري، ومع تزايد احتمال نشوب صراع إقليمي يوقف إمدادات الطاقة للصين، تحركت بكين للانخراط بشكل أكبر في أمن الشرق الأوسط، على الرغم من أنها لا تزال مترددة في التورط في السياسات المعقدة للمنطقة.
وأوضح محب علي، أن ما يُفاقم المخاوف من هذه الاتفاقية، هو تاريخ الصين الاستثماري في موانئ الدول الأخرى، لافتًا إلى أن سيرلانكا اضطرت لتسليم ميناء للصين في إطار عقد إيجار لمدة 99 عامًا، بعدما أخفقت في تسديد ديونها للصين، وعليه فإن الدبلوماسي الإيراني السابق لا يستبعد أن يتكرر الشيء نفسه مع إيران، لا سيما في حال منعتها العقوبات من سداد الديون، الأمر الذي سيترتب عليه استيلاء الصين على الأصول والحصول على الامتيازات في حقول النفط والغاز والموانئ والجزر الإيرانية. بالاضافة لما سبق من المخاوف الأمنية والعسكرية، والتي تتمثل وفق رأيه في (الخشية من تواجد الصين في المياه الخليجية وبحر عُمان، فإذا ما حضرت هناك في ظل تنافسها مع أميركا، فإن ذلك قد يدفعها لبناء قاعدة عسكرية أو اقتصادية على الجزر الإيرانية الجنوبية).
الراشد أشار في مقاله الأول، إلى أن "هذه هي المرة الأولى التي يُظهِر فيها الصينيون شهيتهم للتوسع في منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً غرب آسيا وشرق أفريقيا، معتمدين استراتيجية «التعاون الاقتصادي» المكثف، فيما يسمى مشروع «الحزام والطريق»". وهذا التوسع يأتي في وقت تشهد فيها العلاقات بين بكين وواشنطن توتراً، سواء إبان رئاسة دونالد ترمب، أو حتى الرئيس الحالي جو بايدن، حيث أن السياسة الأميركية الحذرة والمرتابة من الصين، ليست بطارئة، بل لها سنوات خلت، وكان الرئيس السابق باراك أوباما، أحد الذين نظروا لهذه السياسة، في مواجهة صعود الصين كقوة عظمى اقتصادياً، سيكون لها تالياً طموح سياسي، أرادت ذلك أو لم ترد، لأن فائض القوة الذي لديها، والنفوذ، سيطلقان شهيتها للتوسع بأشكال مختلفة، خصوصاً مع تراجع للدور الأوروبي، وصعود لاقتصاديات دول كالهند. الصين في اتفاقيتها مع إيران، تسعى لأن تقدم نفسها كـ"شريك موثوق"، و"شريك لا يمارس الضغوط"، بمعنى أن بكين لن تكون لها اشتراطات تتعلق بالسياسات الخارجية، أو نوعية نظام الحكم، أو حقوق الإنسان، أو فرض رؤية ترتبط بالقيم الصينية والثقافة الآسيوية على شركائها، وهي في ذلك تود الاستفادة من القدرات المالية والفرص المتاحة في الدول الشريكة، دون أن يعنيها كيفية إدارة هذه الأنظمة لشؤونها الداخلية، وهي في ذلك لن تحمل نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، أي أعباء سياسية.