ونلفت النظر إلى أن الاتباع والتأسي أوسع دائرة من إطاعة الأمر واجتناب النهي، فالتأسي تتبع الأقوال والأفعال، في كل صغيرة وكبيرة، في العادات وفي العبادات، في الفروض والواجبات والمباحات.. في ذات العمل وفي طريقة أدائه، في القول وبالطريقة التي أدى بها هذا القول.. إنه التأسي بالمضمون والشكل. ولقد فهم الصحابة رضي الله عنهم هذا المعنى في حياته صلى الله عليه وسلم فنقلوا لنا كل ما شاهدوه أو سمعوه منه صلى الله عليه وسلم، ونقلوا الطريقة والأسلوب.. طريقة الأكل والشرب والكلام والمشي.. مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم ها و. وكل شيء، حتى ما كان من خاصة الإنسان في شؤون بيته. نقل الصحابة لنا ذلك، وطبقوه تأسياً واقتداء. فهذا ابن عمر رضي الله عنهما كان يأتي شجرة بين مكة والمدينة فيقيل تحتها ويخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك (1). وهذا ابن عمر يقول: (لبس عمر قيمصاً جديداً، ثم دعاني بشفرة فقال: مد يا بني كم قميصي، وألزق يديك بأطراف أصابعي ثم اقطع ما فضل عنها، فقطعت من الكمين من جانبيه جميعاً، فصار فم الكم بعضه فوق بعض، فقلت له: يا أبته لو سويته بالمقص، فقال: دعه يا بني، هكذا رأيت رسول الله يفعل، فما زال عليه حتى تقطع، وكان ربما رأيت الخيوط تساقط على قدمه) (2).
هذه بعض وظائف المرسلين، التي تزيدهم شرفاً إلى شرفهم، وفضلاً إلى فضلهم، ويكفيهم فخراً أنّهم يُبلّغون عن ربّ العالمين. فسبحان من خصّهم بهذه الرتبة العليّة، ومنحهم هذه الوظيفة السنيّة، واصطفاهم واختارهم من بين سائر عباده ليقوموا بهذه الخدمة المرضيّة
كانت حياة النّبي محمّد عليه الصّلاة والسّلام حافلةً بالأحداث والمواقف النّبويّة العطرة، كما حصلت عددٌ من المعارك والغزوات في عهد النّبي الكريم، ولقد شكّلت حياة النّبي منذ مولده ثمّ بعثته إلى وفاته سيرةً غنيّة بالكثير من الأقوال والأفعال والمواقف التي أصبحت مرجعاً للمسلمين من بعده، وقد تصدّى عددٌ من العلماء لمهمّة جمع سيرة النّبي عليه الصّلاة والسّلام حتّى تكون متاحة للمسلمين على مرّ الأيام. وفي هذا المقال سوف نتحدث عن أول من كتب السيرة النبوية. المصدر:
حيث أبو بكر الصديق الذي لم يترك باباً إلا وولجه في سبيل الدعوة ، وذاك عمر بن الخطاب المؤمن القوي في كل جوانب حياته، وذاك عثمان ضحّى بماله لتجهيز جيوش المسلمين، وأنّى لنا بسيرهم وتضحياتهم لولا السيرة النبوية التي حفظت مع سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- سيرة صحابته -رضوان الله عليهم أجمعين-. المراجع ↑ سورة البقرة، آية:158 ^ أ ب عماد الشربينى، رد شبهات حول عصمة النبى صلى الله عليه وسلم فى ضوء السنة النبوية الشريفة ، صفحة 48-49. بتصرّف. ↑ سورة الأحزاب، آية:21 ↑ سورة القلم، آية:4 ^ أ ب راغب السرجاني، السيرة النبوية ، صفحة 13-14، جزء 1. بتصرّف. مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم هي - ما الحل. ↑ محمد السلمي (2010)، صَحِيحُ الأثَر وجَمَيلُ العبر من سيرة خير البشر (الطبعة 1)، جدة:مكتبة روائع المملكة، صفحة 13، جزء 1. بتصرّف. ↑ عبد الرحمن الحجي (1420)، السيرة النبوية منهجية دراستها واستعراض أحداثها (الطبعة 1)، دمشق:دار ابن كثير، صفحة 50، جزء 1. بتصرّف.
الخطبة الأولى: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فَيَا عِبَادَ اللهِ، لَقَدْ بَلَغَتْ جُرْأَةُ بَعْضِ المُسلِمِينَ اليَوْمَ أَنْ يَقُولُوا: إِنَّ مُهِمَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- مَحْصُورَةٌ في تَبْلِيغِ رِسَالَةِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَالتي هِيَ القُرْآنُ العَظِيمُ فَقَطْ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ -تعالى-: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) [المائدة:67]. مهمات بعثة النبي صلى الله عليه وسلم - إسلام ويب - مركز الفتوى. ثُمَّ قَالَ لَهُ: ( إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ) [الشورى:48]. ثُمَّ قَالَ: ( وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ المُبِينُ) [العنكبوت:18]. ثُمَّ قَالَ: ( فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ المُبِينُ) [المائدة:92]. يَا عِبَادَ اللهِ: كُونُوا عَلَى حَذَرٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الذينَ يُشَكِّكُونَ الأُمَّةَ في سُنَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- وفي حَدِيثِهِ الشَّرِيفِ.
إنه الاتباع والتأسي حتى في الأعمال العادية التي هي من باب المباحات على أن إمعان النظر في الآيتين الكريمتين يؤكد أن هذا التأسي والاتباع لا يصح أن يكون قاصراً على العمل الفردي الذي يقوم به الإنسان لذاته، بل ينبغي أن يتجاوز ذلك ليشمل الاتباع في الأعمال الجماعية، والتي كان صلى الله عليه وسلم يقوم بها مع أصحابه. كما أنه لا ينبغي أن نقف عن النظرة الجزئية التي تتناول سلوكه صلى الله عليه وسلم من خلال الأعمال كلاً منها على حدة، بل علينا أن ننتقل إلى النظرة الكلية فندرس ترتيت هذه الأعمال والأقوال.. فكل منها كان يأتي في الوقت المناسب.. وبهذا الأسلوب من الدراسة والتتبع نستطيع الاهتداء إلى منهج الحركة.. إن الطريقة التي التزمها صلى الله عليه وسلم في دعوته للناس، هي الوحيدة القادرة على الخروج بالناس مرة أخرى من ظلمات الجاهلية كلما عمت إلى نور الإسلام. وحينما ننعم النظر في السيرة العطرة نجد أن الدعوة في مكة استغرقت ثلاثة عشر عاماً. وأن القسم الأكبر من القرآن نزل في مكة. ولم تقم بعد دولة، ولم تنزل آيات التشريع.. مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هي. إنه أمر يستوقف الدعاة لدراسته إذا أرادوا استئناف حياة إسلامية. إن تربية الأفراد طويلاً سبقت إقامة المجتمع الإسلامي، وإن التدريب على الصبر تربية للنفوس، سبق مطالبتها بالصبر في ميادين القتال.