– الاضطراريَّة: كالشعور بارتعاش اليد -مثلًا-، وولادته ووفاته، وما شابه ذلك، مما هو خارجٌ عن إرادة الإنسان وإنِ ابتغى غيرها. رابعًا، أهميَّة رد المتشابه إلى المحكم: ومعنى ذلك -في مسألتنا هذه-: أن يسترجع الإنسان الأصلَ الرَّكيز فيه؛ وهو جهالته بكثيرٍ من أمور حياته، مما لا ينبغي أن يُقحِمَ عواطفَهُ فيها دونَ علمٍ مُحكم، علمًا منه -فطرةً وضرورةً- وجوبَ أن يرجع في كل ما قد يُشكل عليه إلى الأصل الأوَّل المتين عنده -كما في مسألتنا هذه-، وهي: كمال صفاته -عز شأنه- في قضائه وقدره وكمال عدله، وأنَّ عدمَ علمه بشيءٍ ما لا يعني افتقارَ ذلك الشيء إلى الحكمةِ فيه، أو إلى العدالة كذلك، رجوعًا إلى حقيقة جهالتهِ وقلَّة بصيرته. هذا، وأختمُ بأنَّ الحصيفَ هو من أدركَ أصولَ عقيدتِه فبنى عليها، وكمالَ خالقهِ فأرهقَ عقلهُ وبدنهُ في سبيلِ بلوغِ ما يُمكنهُ بلوغه من العلمِ به، دونَ أن يركنَ إلى شُبهةٍ وإن أقضَّت "جهالتهُ" إلاَّ أنّ عَوْدُهَا إلى مُحكمُ عَدلِ اللهِ أولى؛ إنزالًا لنفسهِ منزلتَها الحقيقيَّة أمامَ كمالِ خالقه -سُبحانه-؛ إنزالًا يُحرِّضه على مزيد التعلُّم واستمرار الطَّلب، استغلالًا لقُدرةٍ يجدُها في نفسه، وافتقارٍ يسعى لسدِّهِ بمن كان هو الغاية، وإليه المصير.
لا نعرف على وجه التحديد من هو أول مَن قال بهذا المذهب لكن أشهر رواده هم "جهم ابن صفوان" و"جعد بن درهم"، وخلاصة أفكارهما تنبني على فكرة أن الله هو خالق كل شيء وليس هناك كائن أو حدث يجري في العالم إلا وصانعه هو الله، فلا يصح أن نشرك معه الناس في الخلق وإلا اعتبر ضد التسليم بالوحدانية المطلقة. هل الإنسان مخيّر وحر ومسؤول عن أفعاله أم هو مسيّر؟ صولات وجولات فكرية شهدها التاريخ للإجابة عن هذا السؤال "لماذا خلقنا الله وهو يعلم ما سيحيق بنا من عذاب وشر؟" كيف تجيب الفرق الإسلامية المختلفة عن هذا السؤال واعتبرا أن الأفعال تُخلق كالكائنات، لذلك فإن القول بقدرة الإنسان على خلق أفعاله هو إشراك بالذات الإلهية في فعل الخلق الذي يختص به الله وحده، ومناقض أيضاً للإيمان بقدرته التي تشمل كل شيء، فالتسليم بقدرة الإنسان على الاختيار يماثل أن ننزع القدرة عن الله في بعض الأمور وننسبها إلى عباده. يشبه ذلك ما نقوله عن الشجرة، أنها نمت وهي لم تنمُ من نفسها لكن الله نمَّاها، وأن البناء قد قام، وهو لم يقم بذاته لكن تدخلت قدرة خارجية وقامت بفعل البناء، ونفس الأمر عندما نقول أن زيداً بنى بيتاً، فقيام زيد بفعل البناء ما هو إلا تعبير وهمي، والحقيقة هي أن الله هو الذي قام بذلك الفعل وخلقه، والإنسان مسير في كل أموره ومجبور في كل أفعاله، ودخول الجنة أو النار هو تكليف وجبر من الله لا اختياراً من العبد.
[١] الاختيار في حياة الإنسان ينقسم التخيير في حياة الإنسان إلى ثلاثة أقسام؛ وهي: [٣] التخيير المنضبط بحيث يستطيع الإنسان من خلاله الخروج عن إطار الشريعة وأوامرها وتعاليمها، وتكون له الحرية والإرادة في ذلك، ولكنّه يلتزم ويُطيع الأوامر ويبقى في ظلّ الشرع، ممّا يجعل له الثواب في الدنيا والآخرة. التخيير غير المنضبط؛ بحيث يخرج الإنسان فيه عن أوامر الشريعة ويخالفها بإرادته واختياره، ولكنّه يحاسب ويعاقب إن لم يتب من مخالفاته لأوامر الله تعالى. التخيير المطلق المباح؛ بحيث يستطيع الإنسان من خلاله فعل الأمور المباحة بإرادته واختياره ولا يكون آثماً إن اختارها وفعلها في ظلّ أوامر الشريعة الإسلاميّة. شروط الإيمان بالقضاء والقدر لا يتحقّق الإيمان بالقضاء والقدر إلّا بأربعة أمور؛ هي: [٤] الإيمان بأنّ الله -تعالى- خالق كلّ شيء. الإيمان بأنّ الله -تعالى- عالم بكلّ صغيرة وكبيرة تحدث. الإيمان بأنّ الله -تعالى- كتب كلّ شيء في اللوح المحفوظ. الإيمان بأنّ كلّ ما يحدث في السماوات والأرض لا يتم إلّا بمشيئة الله تعالى. المراجع ^ أ ب "الإنسان مخير في الأمور التي يترتب عليها الثواب والعقاب" ، ، 8-1-2001، اطّلع عليه بتاريخ 18-4-2018.