الكراهية يرى فقهاء الشافعيّة، والحنابلة في الرّاجح عندهم، أنّ زيارة النساء للقبور مكروهة لا مُباحة ولا مُحرَّمة، وسبب الكراهة هو الخشية على المرأة أثناء زيارتها للمقابر والقبور من الجزع والخوف، وعدم تحمُّل المشهد، وقلّة الصّبر، ممّا قد يضرّ بها ويؤثّر على دينها أو صحّتها البدنيّة، يقول الخطيب الشّربيني رحمه الله: (تُكرَه زيارتها -يعني القبور- للنساء؛ لأنّها مظنّةٌ لطلب بُكائِهنّ، ورفع أصواتهنّ، لما فيهنّ من رِقّة القلب، وكثرة الجزَع، وقلّة احتمال المصائب). زيارة القبور. وقد استدلَّ فقهاء الشافعيّة على قولهم بعدم حُرمة زيارة القبور للنّساء بما رُوي من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أتى على امرأةٍ تبكي على صبيٍّ لها، فقال لها: اتِّقي اللهَ واصبِري) ، فلو كانت زيارة القبور للنِّساء مُحرَّمةً لنهاها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عن ذلك، دون أن يُصبِّرها أو بعد أن يُصبِّرها. كما استدلّوا بما روته أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (... إنَّ ربَّك يأمرُك أن تأتيَ أهلَ البقيعِ فتستغفرَ لهم، قالت: قلتُ: كيف أقول لهم يا رسولَ اللهِ؟ قال: قولي: السّلامُ على أهلِ الدِّيارِ من المؤمنين والمسلمين، ويرحم اللهُ المُستقدمين منّا والمُستأخِرين، وإنّا إن شاء اللهُ بكم لَلاحقونَ) ، فلو كان حُكم زيارة القبور للنّساء التّحريم لما أمر النبيّ السيّدة عائشة -رضي الله عنها- بما أمرها به، وقد استدلَّ أصحاب الفريق الأوّل القائلون بجواز زيارة القبور للنساء بهذه الأدلّة نفسها.
66- باب استحباب زيارة القبور للرجال وما يقوله الزائر 1/581- عن بُرَيْدَةَ قَالَ: قالَ رسُولُ اللَّه ﷺ: كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيارَة القُبُورِ فَزُوروها رواهُ مسلم. * زيارة أهل القبور في ميزان الحكمة *. 2/582- وعن عائشَةَ رضي اللَّهُ عنها قَالَتْ: كَانَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ كُلَّما كَانَ لَيْلَتها مِنْ رسول اللَّه ﷺ يَخْرُجُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ إِلى البَقِيعِ، فَيَقُولُ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤمِنينَ، وأَتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ، غَدًا مُؤَجَّلُونَ، وإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاحِقُونَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَهْلِ بَقِيعِ الغَرْقَدِ رواهُ مسلم. 3/583- وعن بُرَيْدَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُعَلِّمُهُمْ إِذا خَرَجُوا إِلى المَقابِرِ أَنْ يَقُولَ قَائِلُهُم: السَّلامُ عَلَيكُمْ أَهْلَ الدِّيارِ مِنَ المُؤْمِنِينَ والمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاحِقُونَ، أَسْأَلُ اللَّه لَنَا وَلَكُمُ العافِيَةَ رواه مسلم. 4/584- وعن ابن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عنهما قال: مَرَّ رسُولُ اللَّهِ ﷺ بِقُبورٍ بالمَدِينَةِ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بوَجْهِهِ، فقالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ القُبُورِ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَنا وَلَكُمْ، أَنْتُم سَلَفُنا ونَحْنُ بالأَثَرِ رواهُ الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ.
بل ويحي إذا نظرت إلى الأنبياء وقوفاً والملائكة صفوفاً، فمن عدلك غداً من يُخلّصني، ومن المظلومين من يستنقذني، ومن عذاب النار من يجبرني، عصيتُ من ليس بأهلٍ أن يُعصى، عاهدت ربّي مرّة بعد أخرى، فلم يجد عندي صدقاً ولا وفاءً"، وجعل يردّد هذا الكلام ويبكي، فلمّا خرج من القبر التزمه ابن العباس وعانقه ثمّ قال: نِعمَ النبّاش! نِعمَ النبّاش! ما أنبشك للذنوب والخطايا"14. 4- تذكر الآخرة عن الإمام علي (ع) أنّ رسول الله (ص) رفض في زيارة القبور وقال: "وتذكركم الآخرة"15. 5- غفران الذنوب عن اصبع بن نباتة، قال: كنت مع علي بن أبي طالب فمرّ بالمقابر فقال: "السلام على أهل لا إله إلاّ الله، من أهل لا إله إلاّ الله، يا أهل لا إله إلاّ الله، كيف وجدتم كلمة لا إله إلاّ الله؟، يا لا إله إلاّ الله بحقّ لا إله إلاّ الله، اغفر لمن قال لا إله إلاّ الله واحشرنا في زمرة من قال لا إله إلاّ الله. قال علي (ع) سمعت رسول الله (ص) يقول: من قالها إذا مرّ بالمقابر غفر له ذنوب خمسين سنة قال: لوالديه وإخوانه ولعامة المسلمين"16. 6- تنمية العاطفة عن الرسول الأكرم (ص) في حديثه عن القبور: "…فزوروها، فإنّه يرقّ القلب وتدمع العين، وتذكر الآخرة…"17.
[2] أحكام الجنائز وبدعها للشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله ص227. [3] المجموع (5/ 310). [4] مسند الإمام أحمد (3/ 38) ومستدرك الحاكم (1/ 708) برقم 1426، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي، قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله في أحكام الجنائز وبدعها، ص228: وهو كما قالا. [5] سبل السلام (3/ 320-321). [6] صحيح البخاري برقم 1283، وصحيح مسلم برقم 926. [7] فتح الباري (3/ 148-149). [8] برقم 1056 وقال: هذا حديث حسن صحيح. [9] فتاوى اللجنة الدائمة (9/ 102-103) برقم 1981. [10] (43/ 240) برقم 26148، وقال محققوه: حديث حسن. [11] صحيح مسلم برقم 974. [12] صحيح مسلم برقم 975. [13] أحكام الجنائز وبدعها للشيخ الألباني رحمه الله، ص239-240 بتصرف. [14] صحيح البخاري برقم 458، وصحيح مسلم برقم 956. [15] سنن أبي داود برقم3222، وأحمد في مسنده (3/ 197)، قال الألباني في أحكام الجنائز ص1259: إسناده صحيح على شرط الشيخين. [16] المجموع (5/ 320). [17] أحكام الجنائز وبدعها، ص259- 260. [18] برقم 969. [19] صحيح مسلم برقم 970. [20] سنن أبي داود برقم 3226 وصححه الألباني رحمه الله كما في صحيح سنن أبي داود (2/ 621) برقم 2763.