أقول يبين هذا الحديث العظيم مراحل حياة المسلم منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هذا اليوم الذي نعيشه، وكيف أن المسلم في صدر الإسلام كان عزيزاً والخير غالباً على الشر، ثم كلما ابتعد المسلمون عن عصر النبوة والرسالة، ابتعد الخير عنهم وزادت قوى الشر. وإذا لم يستطع الغيور على دينه أن يقاوم الشر فإن الإسلام لم يكلفه فوق طاقته، فأمره بالاعتزال. وذكر ابن حجر في "فتح الباري" عن الطبري أنه قال: "متى لم يكن للناس إمام (سلطان) فافترق الناس أحزاباً، فلا يتبع أحداً في الفرقة، ويعتزل الجميع إن استطاع ذلك خشية من الوقوع في الشر". ما معنى “خير القرون قرني”؟ | صحيفة الخليج. ومتى وجد جماعة مستقيمة على الحق، لزمه الانضمام إليها وتكثير سوادها، والتعاون معها على الحق، لأنها والحال ما ذكر هي جماعة المسلمين بالنسبة إلى ذلك الرجل وذلك المكان. ومعنى "خير القرون قرني"، أن الأفضلية للقرن الذي بُعث فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته" (متفق عليه). وفي رواية أخرى: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يأتي من بعدهم يتسمنون ويحبون السمن، يعطون الشهادة قبل أن يسألوها" (رواه الترمذي والحاكم).
ولعلَّ في هذا مُزدَجرًا لقومٍ يتناولون بعض الصحابة بالذمِّ والتجريح، فَيَتَعدَّوْنَ حدَّ الأدب، ويتناسَوْن أنهم يُؤذون اللهَ ورسوله! من حقوق الصحابة رضي الله عنهم: إنَّ للصحابة علينا حقوقًا وذِمَمًا، هي - ولا مراء - من حقوق النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم على سائر أمته. ومنها: أننا إنْ لم نتدارس الحسنات، فلا أقلَّ من أن نتغاضى عن الهَفَوات؛ فإنها ليست شيئًا مذكورًا بجانب ما قدَّموا لله ورسوله، فإن لم يكن بُدٌّ من ذكر حقائق التاريخ، واستنباط عِبَرِه وعظاته، فلتكن مقرونة بأدب الاعتذار، مع الإجلال والإكبار، وذِكر فضْل الصُّحبة التي لا عِدْلَ لها ولا كِفَاءَ إلا رضوان الله عزَّ وجلَّ. ص54 - أرشيف ملتقى أهل الحديث - خير الناس قرني ثم الذين يلونهم هل يفهم منه تعديل التابعين - المكتبة الشاملة الحديثة. قصة عمر مع حاطب بن أبي بلتعة: ولعلك واجدٌ في قصة عمر وحاطبٍ وأمثالها ما يَشْفي صَدْرَك، ويثبِّت فؤادك، ويُطَمْئنك لما نقول. بَعَثَ حاطبٌ رضي الله عنه إلى ناسٍ من المشركين؛ يخبرهم ببعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح، فلمَّا أظهر الله نبيَّه على الأمر اعتذر بأنه ما فعل فعلته التي فعل إلا ليَصْطَنع إلى قريش يدًا يحمون بها قرابته عندهم؛ إذ لم يكن من أنفسهم، وإنما كان حليفًا لهم، فصدَّقه صلوات الله وسلامه عليه، وقَبِلَ عُذرَه، ولكن همَّ به الفاروق، وقال كلمتَه المأثورة: "دَعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق"!
ـ [عبدالرحمن نور الدين] ــــــــ [26 - 08 - 10, 09: 12 ص] ـ اخي الفاضل، مررت علي طبقة التابعين في كتاب تقريب التهذيب، وخرجت بنتيجة هامة وهي: أن أغلبهم ثقات أو صدوقين، أن الضعفاء فيهم ضعفهم يسير ينجبر (وعددهم قليل) ، أن من ترك فيهم أو اتهم معدودون معروفون - وسوف أذكرهم لك -، انعدام الكذب والوضع في هذه الطبقة (تبعاً لحكم ابن حجر). وبالإخص: كبار التابعين والوسطي والتي تليها، وظهر في صغار التابعين- والتي عاصرتها - الكذب والتهمة به، ونذكر من وصفوا بذلك - مرتبين علي الطبقات -: 1 - الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني: فى حديثه ضعف، كذبه الشعبى فى رأيه، ورمى بالرفض (من الثانية). 2 - ميناء بن أبى ميناء - مولى عبدالرحمن بن عوف -: متروك ورمى بالقدر وكذبه أبو حاتم (من الثانية). خير الناس قرني ثم الذين. 3 - أصبغ بن نباتة التميمى الحنظلى: متروك رمى بالرفض (من الثالثة). 4 - أبو المهزم التميمى البصرى - اسمه يزيد بن سفيان -: متروك (من الثالثة). 5 - إسحاق بن عمر: تركه الدارقطني (من الثالثة). 6 - أبو هارون عمارة بن جوين العبدى البصرى: متروك ومنهم من كذبه، شيعى (من الرابعة). 7 - إسحاق بن عبد الله بن أبى فروة: متروك (من الرابعة). 8 - أبان بن أبى عياش: متروك (من الخامسة).
والنَّذر: ما أَوْجَبَه العبدُ على نفسه تطوُّعًا من عبادةٍ أو صدقة، وفعلُه من بابَي ضَرَب ونَصَر، وبهما رُوي الحديث، ووفَّى بنذره يفي وفاء، وأوفى به يوفي إيفاءً: أدَّاه، وباللغتين كذلك جاء الحديث. فَضْل المهاجرين والأنصار: يتذكر المسلمون أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف أُوذوا في سبيل الله، وأُخرجوا من ديارهم بغير حقٍّ، إلا أنْ يقولوا ربُّنا الله، ثمَّ صُبَّ عليهم العذابُ من كلِّ صَوْب، واصْطَلح عليهم البلاءُ من كلِّ أوْب، فلم يَزِدْهم ذلك إلا إيمانًا بدينهم، وتصديقًا لنبيِّهم، وبذْلًا للمُهَج والأرواح؛ ابتغاءَ مَرْضَاة ربِّهم، للمهاجرين منهم فَضْلُ الفداء والهجرة، وللأنصار منهم فَضْلُ الإيواء والنُّصرة، وبهم جميعًا أعزَّ الله الإسلام والمسلمين، وأعلى كلمته إلى يوم الدين، وضرب المثل سيَّارًا في العالمين، ﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ [الفتح: 28] [3]. خير الناس قرني ثم الذين يلونهم. التحذير من بغض الصحابة وسبِّهم: وإذا كانوا أعلى الناس بعد النبيين منزلةً، وأرفعهم مكانةً، بشهادة الله ورسوله، فلا عَجَبَ أن يُعلن سيِّد الأوفياء صلى الله عليه وسلم عن فَضْلهم، ويحضَّ على الاقتداء بِهم، ويحذِّر من مَقْتهم وسبِّهم.. ويقول فيما رواه الشيخان: ((لا تسبُّوا أصحابي، فلو أنَّ أحدكم أنفق مثلَ أحدٍ ذهبًا، ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه)) [4].
قال: فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال: فبسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فإن لم تجد في سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو. خير الناس قرني فتح الباري. فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره وقال: الحمد لله الذي وفَّق رسولَ رسول الله لما يرضي رسول الله. وبذلك يكون سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من وضع بذور الاجتهاد وشجَّع عليه لإدراكه صلى الله عليه وسلم أن الأمة تحتاج الاجتهاد بعده. ولفت فضيلة المفتي النظر إلى أن الصحابة تربَّوا تربية خاصة؛ تربية محمدية بفضل قربهم من النبي صلى الله عليه وسلم، فقد شاهدوه وعاصروه وهو ينزل عليه القرآن والسياقات التي فيها النص حتى إن أحدهم قال: نعلم متى وأين وفيمَ نزلت هذه الآية؛ وفضلًا عن مدح النبي صلى الله عليه وسلم لكثير منهم على سبيل المثال لا الحصر فقد قال عن سيدنا عبد الله بن مسعود: إن دقة ساقه أثقل عند الله في الميزان من جبل أحد، ردًّا على تبسُّم بعض الصحابة تجاهه عندما رأوا ساقه. وأكد فضيلته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان متناغمًا مع الكون كله بالشكل الذي حباه الله به، فهو الذي سبَّح الحصى في يديه وحنَّ إليه الجذع، ومِن تناغُم النبي صلى الله عليه وسلم مع الكون ما حدث من جبل أحد، فقد قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: أُحد جبل يحبنا ونحبه، وعندما صعد عليه صلى الله عليه وسلم مع سيدنا أبي بكر الصديق وعمر وعثمان رجف الجبل، فقال له النبي: اسكنْ أحد!
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((خَيْرُ الناس قَرْني، ثمَّ الذين يَلُونَهُم، ثمَّ يجيءُ أقوامٌ تَسْبِقُ شَهَادةُ أَحَدِهم يَمينَه، وَيَمينُه شَهَادتَه)) [1]. وعن عِمْران بن حُصَيْن رضي الله عنهما يقول: قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خَيْرُ أُمَّتي قَرْني، ثمَّ الذين يَلُونهم، ثمَّ الذين يَلُونهم - قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنَيْن أو ثلاثة - ثمَّ إنَّ بعدكم قومًا يَشْهَدون ولا يُسْتشْهدون، ويخُونون ولا يُؤْتَمَنون، ويَنْذُرونَ ولا يَفُون، ويظهرُ فيهم السِّمَن))؛ رواهما الشيخان [2]. المفردات: الناس: المراد بالناس في الحديث الأول: أمَّته صلى الله عليه وسلم، كما بيَّنه الحديث الآخر، وإلا فخيرُ الناس عامَّةً هم الأنبياء على اختلاف درجاتهم، صلوات الله وسلامه عليهم. والقرن: أهل كلِّ زمان؛ سُمُّوا بذلك لاجتماعهم مُقْترنين في عصر واحد. واختلف أهل اللغة في تحديده، فمنهم من حَدَّه بأربعين سنة، ومنهم من حدَّه بسبعين، ومنهم من حدَّه بمائة وهو المشهور، ومنهم من زاد أو نقص، والحقُّ أنَّ مدَّة القرن تختلف باختلاف الأعمار لأهل كل زمان، والمراد بقرنه صلى الله عليه وسلم: صحابته، وهم كلُّ مَنْ صَحِبَه أو رآه - ولو ساعة - زمن نبوَّته، مؤمنًا به، ومات على ذلك، والذين يلونهم هم التابعون، والذين يلونهم هم تابعو التابعين، رضي الله عنهم أجمعين.