لقد جائت عبارة أو لامستم النساء في القرآن الكريم في موضعين وهما سورة النساء الآية الثالثة و الأربعون سورة المائدة الآية السادسة و المقصود بملامسة النساء في الآيتين هو المعاشرة و المجامعة التي توجب الغسل و لقد جائت الآية مبينة في حال عدم توفر الماء فإن على المسلم التيمم من أجل الطهارة من الجنابة
( وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا) قوله تعالى: ( وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا) اعلم أنه تعالى ذكر ههنا أصنافا أربعة: المرضى ، والمسافرين ، والذين جاءوا من الغائط ، والذين لامسوا النساء. فالقسمان الأولان يلجئان إلى التيمم ، وهما المرض والسفر. والقسمان الأخيران يوجبان التطهر بالماء عند وجود الماء ، وبالتيمم عند عدم الماء ، ونحن نذكر حكم كل واحد من هذه الأقسام: أما السبب الأول: وهو المرض ، فاعلم أنه على ثلاثة أقسام: أحدها: أن يكون بحيث لو استعمل الماء لمات ، كما في الجدري الشديد والقروح العظيمة. وثانيها: أن لا يموت باستعمال الماء ، ولكنه يجد الآلام العظيمة. وثالثها: أن لا يخاف الموت والآلام الشديدة. لكنه يخاف بقاء شين أو عيب على البدن ، فالفقهاء جوزوا التيمم في القسمين الأولين وما جوزوه في القسم الثالث ، وزعم الحسن البصري أنه لا يجوز التيمم في الكل إلا عند عدم الماء ، بدليل أنه شرط جواز التيمم للمريض بعدم وجدان الماء ، بدليل أنه قال في آخر الآية: ( فلم تجدوا ماء) وإذا كان هذا الشرط معتبرا في جواز التيمم ، فعند فقدان هذا الشرط وجب أن لا يجوز التيمم ، وهو أيضا قول ابن عباس.
والثاني: أن المراد باللمس ههنا التقاء البشرتين ، سواء كان بجماع أو غيره وهو قول ابن مسعود وابن عمر والشعبي والنخعي وقول الشافعي - رضي الله عنه -. واعلم أن هذا القول أرجح من الأول ، وذلك لأن إحدى القراءتين هي قوله تعالى: " أو لمستم النساء " واللمس حقيقته المس باليد ، فأما تخصيصه بالجماع فذاك مجاز ، والأصل حمل الكلام على حقيقته. وأما القراءة الثانية وهي قوله: ( أو لامستم) فهو مفاعلة من اللمس ، وذلك ليس حقيقة في الجماع أيضا ، بل يجب حمله على حقيقته أيضا ؛ لئلا يقع التناقض بين المفهوم من القراءتين المتواترتين ، واحتج من قال: المراد باللمس الجماع ، بأن لفظ اللمس والمس وردا في القرآن بمعنى الجماع ، قال تعالى: ( وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) [ البقرة: 237] وقال في آية الظهار: ( فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا) [ المجادلة: 3] وعن ابن عباس أنه قال: إن الله حيي كريم يعف ويكني ، فعبر عن المباشرة بالملامسة. وأيضا الحدث نوعان: الأصغر ، وهو المراد بقوله: ( أو جاء أحد منكم من الغائط) فلو حملنا قوله: ( أو لامستم النساء) على الحدث الأصغر لما بقي للحدث الأكبر ذكر في الآية ، فوجب حمله على الحدث الأكبر. واعلم أن كل ما ذكروه عدول عن ظاهر اللفظ بغير دليل ، فوجب أن لا يجوز.
2008-04-09, 10:56 AM #1 ما المراد بكلمة " النساء " في قوله تعالى " أو لامستم النساء" ؟ هل النساء في لغة العرب تطلق على الحقيقة على الأنثى البالغة وغير البالغة أم البالغة فقط ؟ قال القرطبي في تفسيره في معرض رده على من يرى أن لمس المرأة ناقض للوضوء مطلقا: " وروى الأئمة مالك وغيره أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلى الله عليه وسلم وأمامة بنت أبي العاص ابنة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم على عاتقه، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع من السجود أعادها. وهذا يرد ما قال الشافعي في أحد قوليه: لو لمس صغيرة لانتقض طهره تمسكا بلفظ النساء، وهذا ضعيف؛ فإن لمس الصغيرة كلمس الحائط " أ.
ولذلك وردت آيات عديدة في مواقف ومواضع شتى من الكتاب العزيز لم يعبر عنها، وهي في الحقيقة كنايات عدل بها عن التصريح تنزيها عن اللفظ المستهجن، ومن الناس من يصرح بها، ويظهر فيها ما لا يجوز أن يظهر، لكن القرآن تعامل مع الأمر بقاعدة ليس كل شيء يقال. ومن تلك المواقف القرآنية التي تدلنا على ذلك ما ورد في قوله تعالى:﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [سورة البقرة:187]. والمراد بـ ﴿ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ﴾ هنا أنه كناية عن الجماع، وعدي به إلى غيره لتضمنه معنى الإفضاء، وسببها هنا أن يكون التصريح مما يستقبح ذكره. وقوله تعالى:﴿ نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة البقرة: 223]. وهو كناية حيث شبه النساء بالحرث (5) ، وفي ذلك تنزه حسب رأي كثير من أهل التفسير عن اللفظ المستهجن، فذلك تعبير عن الجماع لكن بألفاظ منتقاة، وهذه الكناية في الآية وصفها الإمام أبو حيان الأندلسي بأنها من بديع الكنايات في القرآن الكريم بقوله:«وهذه الكناية في النكاح من بديع كنايات القرآن، قالوا: وهو مثل قوله تعالى: ﴿يَأْكُلُ الطَّعامَ﴾ ومثل قوله: ﴿وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها﴾ [سورة الأحزاب: 27]، على قول من فسره بالنساء.
وتلك مزية للكناية على غيرها من أساليب البيان» (10). [1]-من التعاريف التي عرفت بها الكناية في الاصطلاح:"لفظ أطلق وأريد به لازم معناه مع جوازه إرادة ذلك المعنى، أي المعنى الحققي للفظ الكناية". علم البيان، عبد العزيز عتيق، بيروت–لبنان، دار النهضة العربية، الطبعة: بدون، 1405هـ/ 1982م، ص203. [2]-الكامل في اللغة والأدب، المبرد، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة، دار الفكر العربي، الطبعة: الثالثة، 1417 هـ/1997م، ج2، ص216-215. [3]- كتاب الصناعتين، أبو هلال العسكري، تحقيق: علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، بيروت، المكتبة العنصرية، 1419 هـ، ص368. [4]- المصنف، أبو بكر عبد الرزاق الصنعاني، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، الهند، المجلس العلمي، بيروت، المكتب الإسلامي، الطبعة: الثانية، 1403هـ، ح6، ص277. [5]- نهاية الأرب في فنون الأدب، شهاب الدين النويري، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، الطبعة: الأولى، 1423 هـ، ج3، ص153. [6]-البحر المحيط في التفسير، أبو حيان الأندلسي، تحقيق: صدقي محمد جميل، بيروت، دار الفكر، الطبعة: 1420هـ، ج2، ص428. [7]- جامع البيان عن تأويل آي القرآن، الطبري، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، الطبعة: الأولى، 1422هـ/ 2001م، ج3، ص233.