تفسير السعدي تفسير الصفحة 282 من المصحف تفسير سورة بني إسرائيل وهي مكية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ( 1). ينزه تعالى نفسه المقدسة ويعظمها لأن له الأفعال العظيمة والمنن الجسيمة التي من جملتها أن ( أَسْرَى بِعَبْدِهِ) ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ( مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) الذي هو أجل المساجد على الإطلاق ( إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى) الذي هو من المساجد الفاضلة وهو محل الأنبياء. فأسري به في ليلة واحدة إلى مسافة بعيدة جدا ورجع في ليلته، وأراه الله من آياته ما ازداد به هدى وبصيرة وثباتا وفرقانا، وهذا من اعتنائه تعالى به ولطفه حيث يسره لليسرى في جميع أموره وخوله نعما فاق بها الأولين والآخرين، وظاهر الآية أن الإسراء كان في أول الليل وأنه من نفس المسجد الحرام، لكن ثبت في الصحيح أنه أسري به من بيت أم هانئ، فعلى هذا تكون الفضيلة في المسجد الحرام لسائر الحرم، فكله تضاعف فيه العبادة كتضاعفها في نفس المسجد، وأن الإسراء بروحه وجسده معا وإلا لم يكن في ذلك آية كبرى ومنقبة عظيمة.
اختر رقم الآية وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًۭا شَدِيدًۭا ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِى ٱلْكِتَٰبِ مَسْطُورًۭا ﴿٥٨﴾ سورة الإسراء تفسير السعدي أي: ما من قرية من القرى المكذبة للرسل, إلا, لا بد أن يصيبهم هلاك يوم القيامة, أو عذاب شديد, كتاب كتبه الله, وقضاء أبرمه, لا بد من وقوعه. فليبادر المكذبون بالإنابة إلى الله, وتصديق رسله, قبل أن تتم عليهم كلمة العذاب, ويحق عليهم القول.
2- ذكرُ الكتابِ الذي آتاه الله تعالى لموسَى عليه السلامُ؛ ليكونَ هدايةً لقومِه، وإخبارُ بني إسرائيلَ أنَّهم سيُفسدونَ في الأرضِ مَرَّتَينِ. 3- بيانُ فضلِ القُرآن، وأنه يهدي لِلَّتي هي أقومُ، ويبشِّرُ المؤمنينَ بالأجرِ الكبيرِ. 4- إثباتُ دلائِلِ تفَرُّدِ اللهِ بالإلهيَّةِ، والاستِدلالُ بآيةِ اللَّيلِ والنَّهارِ وما فيهما مِنَ المِنَن على إثباتِ الوَحدانيَّةِ، وأنَّ كُلَّ إنسانٍ يكونُ معه كِتابُه قد سُجِّلَت فيه حَسَناتُه وسَيِّئاتُه. 5- تقرير قاعِدة التَّبِعةِ الفَرديَّةِ في الهُدى والضَّلالِ، وقاعِدةِ التَّبِعةِ الجماعيَّةِ في التصَرُّفاتِ والسُّلوكِ. 6- بيانُ سُنَّةِ الله سبحانَه في القُرونِ الماضيةِ الذين أهلَكَهم، وأنَّ عاقبةَ الترفِ والفسقِ الدمارُ والهلاكُ. سورة الإسراء تفسير السعدي الآية 58. 7- بيانُ أنَّ سعادةَ الآخرةِ منوطةٌ بإرادتِها، وبأنْ يسعَى الإنسانُ لها وهو مؤمنٌ. 8- الأمرُ بعِبادةِ الله سُبحانَه، وذِكرُ مُقَوِّماتِ الحَياةِ الاجتِماعيَّةِ مِن الإحسانِ للوالِدَينِ، وذَوي القُربى، والتوسُّطِ في إنفاقِ المالِ، والنَّهيُ عن قَتلِ الأولادِ، والنَّهيُ عن قَتلِ النَّفسِ وعن الزِّنا، والنَّهيُ عن التصَرُّفِ في مالِ اليَتيمِ إلَّا بالتي هي أحسَنُ حتى يَبلُغَ أشُدَّه، والأمرُ بالوَفاءِ بالعَهدِ، والوَفاءِ بالكَيلِ والميزانِ، والنهيُ عن أن يَقفُوَ الإنسانُ ما لا عِلْمَ له به.
وقوله: { الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} أي: بكثرة الأشجار والأنهار والخصب الدائم. ومن بركته تفضيله على غيره من المساجد سوى المسجد الحرام ومسجد المدينة، وأنه يطلب شد الرحل إليه للعبادة والصلاة فيه وأن الله اختصه محلا لكثير من أنبيائه وأصفيائه.
كثيرا ما يقرن الباري بين نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوة موسى صلى الله عليه وسلم وبين كتابيهما وشريعتيهما لأن كتابيهما أفضل الكتب وشريعتيهما أكمل الشرائع ونبوتيهما أعلى النبوات وأتباعهما أكثر المؤمنين، ولهذا قال هنا: ( وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ) الذي هو التوراة ( وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ) يهتدون به في ظلمات الجهل إلى العلم بالحق. ( أَلا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلا) أي: وقلنا لهم ذلك وأنزلنا إليهم الكتاب لذلك ليعبدوا الله وحده وينيبوا إليه ويتخذوه وحده وكيلا ومدبرا لهم في أمر دينهم ودنياهم ولا يتعلقوا بغيره من المخلوقين الذين لا يملكون شيئا ولا ينفعونهم بشيء. ( ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ) أي: يا ذرية من مننا عليهم وحملناهم مع نوح، ( إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) ففيه التنويه بالثناء على نوح عليه السلام بقيامه بشكر الله واتصافه بذلك والحث لذريته أن يقتدوا به في شكره ويتابعوه عليه، وأن يتذكروا نعمة الله عليهم إذ أبقاهم واستخلفهم في الأرض وأغرق غيرهم. ( وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ) أي: تقدمنا وعهدنا إليهم وأخبرناهم في كتابهم أنهم لا بد أن يقع منهم إفساد في الأرض مرتين بعمل المعاصي والبطر لنعم الله والعلو في الأرض والتكبر فيها وأنه إذا وقع واحدة منهما سلط الله عليهم الأعداء وانتقم منهم وهذا تحذير لهم وإنذار لعلهم يرجعون فيتذكرون.
ويرى إخلاص الدين لله الواحد الأحد الكامل المنعم بجميع النعم الظاهرة والباطنة هو السفه والأمر المتعجب منه كما قال المشركون: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ثم أخبر أيضا أن الذين يعبدونهم من دون الله في شغل شاغل عنهم باهتمامهم بالافتقار إلى الله وابتغاء الوسيلة إليه فقال: ( أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ) من الأنبياء والصالحين والملائكة ( يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) أي: يتنافسون في القرب من ربهم ويبذلون ما يقدرون عليه من الأعمال الصالحة المقربة إلى الله تعالى وإلى رحمته، ويخافون عذابه فيجتنبون كل ما يوصل إلى العذاب. ( إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا) أي: هو الذي ينبغي شدة الحذر منه والتوقي من أسبابه. وهذه الأمور الثلاثة الخوف والرجاء والمحبة التي وصف الله بها هؤلاء المقربين عنده هي الأصل والمادة في كل خير. فمن تمت له تمت له أموره وإذا خلا القلب منها ترحلت عنه الخيرات وأحاطت به الشرور. وعلامة المحبة ما ذكره الله أن يجتهد العبد في كل عمل يقربه إلى الله وينافس في قربه بإخلاص الأعمال كلها لله والنصح فيها وإيقاعها على أكمل الوجوه المقدور عليها، فمن زعم أنه يحب الله بغير ذلك فهو كاذب.
وذكره هنا وفي مقام الإنزال للقرآن ومقام التحدي بصفة العبودية لأنه نال هذه المقامات الكبار بتكميله لعبودية ربه. وقوله: الذي باركنا حوله أي: بكثرة الأشجار والأنهار والخصب الدائم. ومن بركته تفضيله على غيره من المساجد سوى المسجد الحرام ومسجد المدينة، وأنه يطلب شد الرحل إليه للعبادة والصلاة فيه، وأن الله اختصه محلا لكثير من أنبيائه وأصفيائه.