نام کتاب: أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله نویسنده: عياض السلمي جلد: 1 صفحه: 461 المصيبُ في مسائل الاجتهاد واحدٌ هذه من المسائل التي طال البحثُ فيها، وتفرّع عنها بعضُ مسائل الاجتهاد الأخرى، وتُسمّى مسألةَ: «التصويب» أو «تصويب المجتهدين». وقد عنون لها بعضُهم بنحو هذا العنوان. وعنون لها بعضُهم بقوله: هل الحقُّ يتعدّدُ في مسائل الاجتهاد؟ وقال بعضُهم: هل لله في كلّ واقعةٍ حكمٌ معيّنٌ؟ ومحلُّ النزاع: إنما هو في المسائل الاجتهادية العملية، أما المسائل العملية القطعية، والعلمية الاعتقادية، فإن المصيبَ فيها واحدٌ، باّتفاقٍ، والحقُّ فيها لا يتعدّدُ. أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله - عياض السلمي - مکتبة مدرسة الفقاهة. ولم ينقلوا فيها خلافاً إلاّ عن القاضي العنبريّ، فإنه نُقل عنه قوله: كلُّ مجتهِدٍ في الأصول مصيبٌ. وعن الجاحظ مثلُ ذلك. وقد حمله بعضُهم على تعدُّد الحقّ في المسائل العلمية الخبرية، وهو مخالفٌ لبدائه العقول؛ إذْ لا يُمكنُ أنْ يقولَ عاقلٌ إن اللهَ يُمكنُ أنْ يوصَفَ بهذه الصفة وبعدمها، وأن هذا الشيءَ واقعٌ وغيرُ واقعٍ. وحمله بعضُهم على أنه لا يُؤَثّمُ المخطئُ من الكفار إذا بذل جهدَه في طلب الإيمان بالله فلم يصلْ إليه. وحمله المحققون على أنه خاصُّ بالمجتهدين من أهل الملّة، إذا بذلوا جهدهم في إدراك الحقّ في مسائل الأصول أو الفروع، فأخطأوا، فإنهم لا يأثمون.
سأل العارفين بهم عن ذلك، ثم أخذ بمَن يغلب على ظنه أنه الأعلمُ أو الأتقى. وقال بعضُ العلماء: يتخيّر. وقال بعضُهم: يعملُ بالأحوط. وقيل: يعملُ بالأسهل. والأول هو الصحيحُ. شرح أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله مع فضيلة الشيخ محمد رمضان ملاسي – جمعية الكتاب والسنة الخيرية بالسودان. والدليل على صحّته: أن فتوى العالم عند العاميّ كالدليل عند المجتهد، وإذا تعارضت الأدلّةُ عند المجتهد وجب عليه طلبُ الترجيح، فكذلك العاميّ إذا تعارضتْ عنده الفتاوى. تقليدُ الميت: اختلف العلماءُ في حكم تقليد الميت، على أقوال: الأول: مذهب الجمهور أنه جائزٌ، وربما حكى بعضُهم الإجماعَ عليه؛ أخذاً بعمل أتباع المذاهب. واستدلَّ له بعضُهم بالقياس على شهادة الشاهد إذا مات، قبل الحكم بها. واستدلّ بعضُهم بالضرورة؛ لأنّا لو لم نُجوِّزْ تقليدَ الميت لأدّى إلى حَيرة الناس لعدم وجود المجتهد المطلَق. الثاني: المنع من تقليد الميت مطلقاً. وهذا القولُ قد يفهم من كلام الرازي اختياره؛ حيثُ أجاز نقلَ الفتوى عن الأحياء دون الأموات، ولكنه أورد بعض أدلة المجيزين لتقليد الأموات ولم يجب عنها، وبه قال بعضُ المعتزلة، وهو قولُ الشيعة.
الخلاف في وضع صيغة للعموم: ذهب جمهور العلماء إلى أن للعموم ألفاظاً وضعت للدلالة عليه، إذا وردت في الكتاب والسنة أو كلام العرب حملت عليه من غير حاجة إلى قرينة، وهي الصيغ التي سبق ذكرها. وخالف في ذلك طائفتان: الأولى: طائفة الواقفية، وفي مقدمتهم القاضي الباقلاني، ونقل عن أبي الحسن الأشعري، الذين زعموا أن تلك الصيغ مشتركة مجملة. الثانية: أرباب الخصوص، وهم القائلون بحملها على أخص الخصوص. ونظراً لأن هذين المذهبين ليس لهما أثر واضح في الفروع الفقهية، فلا أطيل بذكر أدلتهم، لكني سأكتفي بإيراد دليلين لكل منهما ثم أبين بطلان كل منهما، وأذكر أدلة الجمهور. أولاً: الواقفية: استدلوا بأدلة أهمها: 1 ـ أن هذه الصيغ التي يرى الجمهور وضعها للعموم وردت في نصوص الشرع للعموم تارة وللخصوص تارة، والأصل في الاستعمال الحقيقة، فتكون مشتركة بين المعنيين، والمشترك يجب التوقف فيه حتى ترد القرينة. 2 ـ أن وضع هذه الصيغ للعموم إما أن يُعرف بنقل أو عقل، أما العقل فلا مدخل له في اللغات، وأما النقل فإما أن يكون تواتراً أو آحاداً، فالتواتر معدوم، وإلا لما خالفناكم، والآحاد لا يكفي في هذه المسألة؛ لكونها من مسائل الأصول التي لا يكفي فيها الظن.
سماحة الشيخ محمّد صنقور معنى الشُّح المسألة: ما معنى قوله تعالى: ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (1)؟ وكيف نتحصل على هذه الوقاية؟ الجواب: المرادُ من الآية المباركة ظاهراً أنَّ مَن يُوفَّق للتخلُّص من داء الشُحِّ فهو من الفائزين. والشُّحُّ مرتبةٌ شديدة من البُخل تدفعُ الإنسان نحوَ الحرص على الأموال والمُقتنيات إلى درجة أنَّه يستشعر الألم حتى في حالاتِ صرف الأموال فيما يُصلِحُه ويُصلِحُ متعلَّقاتِه وعياله. ما معنى كلمة الشح - إسألنا. بل إنَّه يشعرُ دائماً بالاضطراب والتوجُّس حتى لو كانت الأموال في يدِه، ذلك لأنَّه يخشى من أنْ يطرأ ما يُوجبُ ضياعَها أو تلفَها أو الحاجةَ إلى صرفِها. ثم إنَّ المبتلى بداءِ الشُّحِّ لا يتأذَّى من صرف أمواله فحسب بل إنَّه يتأذَّى حتى حينما يجدُ الآخرين يصرفون أموالَهم، لأنَّه يتمنَّى لو كانت هذه الأموال له، هذا وقد وردت رواياتٌ كثيرة في ذمِّ الشحيح، منها ما ورد عن أبي قرَّة السمندي قال: قال لي أبو عبد الله (ع): "أتدري مَن الشحيح؟ قلتُ: هو البخيل، قال (ع): الّشُّح أشدُّ من البُخل، إنَّ البخيل يبخلُ بما في يدِه، والشحيحُ يشحُّ بما في أيدي الناس وعلى ما في يده حتى لا يرى في أيدي الناس شيئاً إلا تمنَّى أنْ يكون له بالحِلِّ والحرام، ولا يقنعُ بما رزقَه اللهُ عزَّ وجلَّ"(2).
(وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (١٢٨)). [النساء ١٢٨]. ما معنى الشفق. (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً) يقول تعالى مخبراً ومشرعاً عن حال الزوجين: تارة في حال نفور الرجل عن المرأة، وتارة عن حال اتفاقه معها، وتارة في حال فراقه لها. فالحالة الأولى: ما إذا خافت من زوجها أن ينفر عنها، أو يعرض عنها، فلها أن تسقط حقها أو بعضه من نفقة أو كسوة أو مبيت أو غير ذلك من الحقوق عليه، وله أن يقبل ذلك منها فلا جناح عليها في بذلها ذلك له، ولا عليه في قبوله منها. وقد فعلت ذلك: سودة: فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (مَا رَأَيْتُ امْرَأَةً أَحَبَّ إِلَىَّ أَنْ أَكُونَ فِى مِسْلَاخِهَا مِنْ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ مِنِ امْرَأَةٍ فِيهَا حِدَّةٌ قَالَتْ فَلَمَّا كَبِرَتْ جَعَلَتْ يَوْمَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِعَائِشَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ جَعَلْتُ يَوْمِى مِنْكَ لِعَائِشَةَ.
ومن الظلم: مَطْلُ الغنيِّ، يعني ألا يوفي الإنسان ما عليه وهوغني به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((مَطْلُ الغنيِّ ظُلمٌ))، وما أكثر الذين يماطلون في حقوق الناس، يأتي عليه صاحب الحق فيقول: يا فلان، أَعطِني حقِّي، فيقول: غدًا، فيأتيه من غدٍ، فيقول: بعد غدٍ، وهكذا، فإن هذا الظلم يكون ظلماتٍ يوم القيامة على صاحبه. "واتقوا الشُّحَّ" الحرص على المال؛ "فإنه أهلَكَ من كان قبلكم"؛ لأن الحرص على المال - نسأل الله السلامة - يوجب للإنسان أن يَكسِبَ المال من أيِّ وجه كان، من حلال أوحرام؛ بل قال النبي عليه الصلاة والسلام: "حمَلَهم"؛ أي حمل مَن كان قبلنا "على أن سفَكوا دماءهم واستحَلوا مَحارمهم" يسفك الشحيح الدماء إذا لم يتوصل إلى طمعِه إلا بالدماء، كما هوالواقع عند أهل الشحِّ، يقطعون الطريق على المسلمين، ويقتُلون الرجل، ويأخذون متاعه، ويأخذون بعيرَه، وكذلك أيضًا يعتدُون على الناس في داخل البلاد، يقتُلونهم ويَهتِكون حُجُبَ بيوتهم، فيأخذون المال بالقوة والغلَبة. فحذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من أمرين: من الظلم، ومن الشحِّ؛ فالظلم هوالاعتداء على الغير، والشح هوالطمع فيما عند الغير، فكل ذلك محرَّم؛ ولهذا قال الله تعالى في كتابه: ﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9]، فدلَّت الآية على أن من لم يُوقَ شُحَّ نفسه فلا فلاح له.