تفسير سورة الطور من الآية 1 إلى الآية 28 | د. محمد بن عبد العزيز الخضيري - YouTube
ولما بين تعالى الحجج والبراهين على بطلان أقوال المكذبين، أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا يعبأ بهم شيئا، وأن يصبر لحكم ربه القدري والشرعي بلزومه والاستقامة عليه، ووعده الله بالكفاية بقوله: { فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} أي: بمرأى منا وحفظ، واعتناء بأمرك، وأمره أن يستعين على الصبر بالذكر والعبادة، فقال: { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} أي: من الليل. ففيه الأمر بقيام الليل، أو حين تقوم إلى الصلوات الخمس، بدليل قوله: { وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} أي: آخر الليل، ويدخل فيه صلاة الفجر، والله أعلم. تم تفسير سورة والطور والحمد لله
| حذيفة عبد المعطي سورة الطور بالتفسير الميسر والصور والفيديوهات المعبرة - YouTube
[٦] تفسير الآيات المتعلقة بأحداث يوم القيامة هذا القِسم يشمل على تفسير الآيات من (9-28)، وما يتضمّنها من ذكر أحداث القيامة، والإنذار بعاقبة الكافرين، وبيان عاقبة المتقين، وهي مفصّلة كالآتي: [٧] ذكر أحداث القيامة كما في قوله تعالى: (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا* وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا) ، [٨] أي تدور السماء وتضطرب وتدوم حركتها بانزعاج وعدم سكون، وتسير الجبال سيراً فتزول عن أماكنها وتسير كسير السحاب، وذلك كله لعظم هول يوم القيامة. إنذار بعاقبة الكافرين كما في قوله تعالى: (فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ* الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ* يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا* هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ* أَفَسِحْرٌ هَـذَا أَمْ أَنتُمْ لَا تُبْصِرُونَ* اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ). [٩] والويل كلمة جامعة لكل عقوبة وحزن وعذاب وخوف، ثم ذكر وصف المكذبين الذين استحقوا به الويل، فقد كانوا يخوضون في الباطل ويتّخذون الدين هزواً ولعباً، وكانوا يكذّبون الحق ويصدقون الباطل، وأعمالهم أعمال أهل الجهل.
وقوله: { أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} وهذا استفهام يدل على تقرير النفي أي: ما خلقوا السماوات والأرض، فيكونوا شركاء لله، وهذا أمر واضح جدا. ولكن المكذبين { لَا يُوقِنُونَ} أي: ليس عندهم علم تام، ويقين يوجب لهم الانتفاع بالأدلة الشرعية والعقلية. { أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ} أي: أعند هؤلاء المكذبين خزائن رحمة ربك، فيعطون من يشاءون ويمنعون من يريدون؟ أي: فلذلك حجروا على الله أن يعطي النبوة عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم، وكأنهم الوكلاء المفوضون على خزائن رحمة الله، وهم أحقر وأذل من ذلك، فليس في أيديهم لأنفسهم نفع ولا ضر، ولا موت ولا حياة ولا نشور. { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} { أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ} أي: المتسلطون على خلق الله وملكه، بالقهر والغلبة؟ ليس الأمر كذلك، بل هم العاجزون الفقراء { أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} أي: ألهم اطلاع على الغيب، واستماع له بين الملأ الأعلى، فيخبرون عن أمور لا يعلمها غيرهم؟ { فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ} المدعي لذلك { بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} وأنى له ذلك؟ والله تعالى عالم الغيب والشهادة، فلا يظهر على غيبه [أحدا] إلا من ارتضى من رسول يخبره بما أراد من علمه.
وهكَذا سائرُ الأفعالِ الاختياريَّةِ هيَ تُنسَبُ إلى العبادِ مِن حَيثُ الكَسب لا من حيث الخلق، فمَن قالَ خِلاف هذا فهو مُعتَزليٌّ ضالّ في هذهِ المسألةِ وإن لم يكن معَهُم في سائرِ مسَائلِهم، نسأل الله الوفاة على الإيمان. Arabic Text
ويجوز أن تكون الفاء عاطفة على جملة: { يأيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذي كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار} [ الأنفال: 15] أي يتفرع على النهي عن أن تولوا المشركين الأدبار تنبيهكم إلى أن الله هو الذي دفع المشركين عنكم وأنتم أقل منهم عَددا وعُدة ، والتفريع بالفاء تفريع العلة على المعلول ، فإن كون قتل المشركين ورميهم حاصلاً من الله لأمن المسلمين يفيد تعليلاً وتوجيهاً لنهيهم عن أن يولوهم الأدبار. ولأَمْرهم الصبر والثبات وهو تعريض بضمان تأييد الله إياهم إن امتثلوا لقوله: { واصبروا إن الله مع الصابرين} [ الأنفال: 46] فإنهم إذا امتثلوا ما أمرهم الله كان الله ناصرهم ، وذلك يؤكد الوعيد على تولية الأدبار ، لأنه يقطع عذر المتولين والفارين ، ولذلك قال الله تعالى في وقعة أحد: { إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمْعاننِ إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا} [ آل عمران: 155].
وختاماً: نحمد الله أن جعل هذا البلاء بالخير دون الشر، وبالعافية دون البلاء، فنسأله أن يحفظ لنا ديننا ووطننا وأمننا واستقرارنا وحكامنا وعلماءنا. الأستاذ المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية