وقوله: (وتخفى في نفسك ما الله مبديه) أي مظهره (وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) ذيل الآيات أعني قوله: (الذين يبلغون رسالات الله ولا يخشون أحدا الا الله) دليل على أن خشيته صلى الله عليه وآله وسلم الناس لم تكن خشية على نفسه بل كان خشية في الله فأخفى في نفسه ما أخفاه استشعارا منه أنه لو أظهره عابه الناس وطعن فيه بعض من في قلبه مرض فأثر ذلك أثرا سيئا في ايمان العامة، وهذا الخوف - كما ترى - ليس خوفا مذموما بل خوف في الله هو في الحقيقة خوف من الله سبحانه. فقوله: (وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) الظاهر في نوع من العتاب ردع عن نوع من خشية الله وهي خشيته عن طريق الناس وهداية إلى نوع آخر من خشيته تعالى وأنه كان من الحري أن يخشى الله دون الناس ولا يخفى ما في نفسه ما الله مبديه وهذا نعم الشاهد على أن الله كان قد فرض له أن يتزوج زوج زيد الذي كان تبناه (٣٢٢) الذهاب إلى صفحة: «« «... 317 318 319 320 321 322 323 324 325 326 327... » »»
وفي الحديث: بَشَرِيَّةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وإذْ تَقُولُ لِلَّذِي أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وأنْعَمْتَ عَلَيْهِ أمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ واتَّقِ اللَّهَ وتُخْفِي في نَفْسِكَ ما اللَّهُ مُبْدِيهِ وتَخْشى النّاسَ واللَّهُ أحَقُّ أنْ تَخْشاهُ فَلَمّا قَضى زَيْدٌ مِنها وطَرًا زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلى المُؤْمِنِينَ حَرَجٌ في أزْواجِ أدْعِيائِهِمْ إذا قَضَوْا مِنهُنَّ وطَرًا وكانَ أمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا﴾ وهُوَ زَيْدٌ أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالإسْلامِ ﴿وأنْعَمْتَ عَلَيْهِ﴾ بِالتَّحْرِيرِ والإعْتاقِ. ﴿أمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ﴾ هَمَّ زَيْدٌ بِطَلاقِ زَيْنَبَ فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ: أمْسِكْ أيْ لا تُطَلِّقْها. يا من تخشى الناس.. الله أحق أن تخشاه. ﴿واتَّقِ اللَّهَ﴾ قِيلَ في الطَّلاقِ، وقِيلَ في الشَّكْوى مِن زَيْنَبَ، فَإنَّ زَيْدًا قالَ فِيها إنَّها تَتَكَبَّرُ عَلَيَّ بِسَبَبِ النَّسَبِ وعَدَمِ الكَفاءَةِ. ﴿وتُخْفِي في نَفْسِكَ ما اللَّهُ مُبْدِيهِ﴾ مِن أنَّكَ تُرِيدُ التَّزَوُّجَ بِزَيْنَبَ ﴿وتَخْشى النّاسَ﴾ مِن أنْ يَقُولُوا أخَذَ زَوْجَةَ الغَيْرِ أوِ الِابْنِ ﴿واللَّهُ أحَقُّ أنْ تَخْشاهُ﴾ لَيْسَ إشارَةً إلى أنَّ النَّبِيَّ خَشِيَ النّاسَ ولَمْ يَخْشَ اللَّهَ بَلِ المَعْنى: اللَّهُ أحَقُّ أنْ تَخْشاهُ وحْدَهُ ولا تَخْشَ أحَدًا مَعَهُ وأنْتَ تَخْشاهُ وتَخْشى النّاسَ أيْضًا، فاجْعَلِ الخَشْيَةَ لَهُ وحْدَهُ، كَما قالَ تَعالى: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ ويَخْشَوْنَهُ ولا يَخْشَوْنَ أحَدًا إلّا اللَّهَ﴾.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿وَإذْ تَقُولُ لِلَّذِي أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ﴾ وهو زيد أنعم الله عليه بالإسلام ﴿وَأنْعَمْتَ عَلَيْهِ﴾ أعتقه رسول الله ﷺ: ﴿أمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ﴾ قال: وكان يخفي في نفسه ودَّ أنه طلقها. قال الحسن: ما أنزلت عليه آية كانت أشد عليه منها؛ قوله ﴿وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ﴾ ولو كان نبي الله ﷺ كاتما شيئا من الوحي لكتمها (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ) قال: خشِي نبي الله ﷺ مقالة الناس.
فكأنما أنت بخشيتك هذه تستعد جيدًا وبشكل خاص للقاء من تخافه وتخشاه، ومن ثم تنتظر أن يجازيك مقابل ذلك، وليس أهم وأعلى وأعظم من دخول جنته سبحانه، قال تعالى: « جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ » (البينة: 8). اقرأ أيضا: الشعراوي: هذه هي الحكمة من صلاة العيد الخشية من الله أوتدري عزيزي المسلم، إن خشيت الله عز وجل، مع من تكون؟.. مع العلماء.. أي تكون من العارفين بالله، فمن علم خشي، ومن خشي نجا لاشك.. قال تعالى: «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ»، فيامن تخشى الناس: «وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ۖ».. تراجع وعد إلى الصواب، واحسبها جيدًا.. فكلما زاد خشيتك للناس زاد رعبك وقلقك، بينما كلما زاد خشيتك لله زادت طمأنينتك وسكينتك.. أيهما أفضل.. واختر بنفسك. وترى الله عز وجل كأنه يوضح أن من يخافه، ولم يخش الناس، إنما هو من المؤمنين، قال تعالى: «وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ » وقال أيضًا: « فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي».. فهل يطلب منا المولى عز وجل صراحة ذلك، ونحن نمتنع؟.. فكيف بك أن ترفض أن تتبع ما كان أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، قال تعالى: «الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ».
ثانياً: الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم: 1- عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ((أشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة)).
أن الآية عبرت بالجمع (أشهر)، وأقل الجمع ثلاث، فلا بد من دخول ذي الحجة بكماله
((المحلى)) لابن حزم (7/69 رقم 821)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد(1/325)..
عن ابن جريج، قال: قلت لنافع: أسمعت ابن عمر يسمي أشهر الحج؟ قال: نعم، كان يسمي شوالاً، وذا القعدة، وذا الحجة
((تفسير الطبري)) (4/117). ، وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما نحوه
((المحلى)) لابن حزم (7/69 رقم 821)..
ثالثاً: أن من أيام الحج اليوم الحادي عشر، واليوم الثاني عشر، واليوم الثالث عشر، يفعل فيها من أعمال الحج: الرمي، والمبيت، فكيف نخرجها من أشهر الحج وهي أوقات لأعمال الحج؟!
((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/55، 56)..
رابعاً: أن طواف الإفاضة من فرائض الحج، ويجوز أن يكون في ذي الحجة كله بلا خلاف منهم; فصح أنها ثلاثة أشهر
((المحلى)) لابن حزم (7/69 رقم 821)..
المبحث الثاني: الإحرام قبل أشهر الحج
اختلف أهل العلم في حكم الإحرام بالحج قبل أشهره على أقوال منها:
القول الأول: يصح الإحرام بالحج وينعقد قبل أشهر الحج، لكن مع الكراهة، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية
((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/343)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/531).
من الأسئلة الموجهة لسماحته في المحاضرة التي ألقاها بمنى يوم التروية سنة 1402هـ، (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 17/ 7). فتاوى ذات صلة
الاجابة السؤال: يسأل عن المَواقيت الزمانيَّة والمَواقيت المكانيَّة؟ الجواب: يعني للحجّ؟ المَواقيت الزمانيَّة: هي أشهُر الحج: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ)، وهي شهرُ شوَّال وشهرُ ذي القِعدة وعشرةُ أيام من ذي الحِجَّة هذهِ هيَ المواقيت الزمانيَّة للحج، أما المواقيت المكانيَّة: فهي التي حدَّدها رسولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم-للقادمينَ إلى مكّة مِمَّن يُريدونَ الحَجّ أو العُمرة، لأهل اليمن (يلملم)، ولأهل نجد (قرن المنازل)، ولِأهل المدينة (ذو الحُليفة)، ولأهل العِراق (ذاتُ عِرق)، هذهِ هي المواقيت المكانيَّة.
، ونُقِلَ عن الشافعي في القديم
((فتح الباري)) لابن حجر (3/420) ، وبه قال طائفة من السلف
منهم: ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم وعطاء في الرواية الأخرى عنه، وطاوس، وعروة بن الزبير، والربيع بن أنس. ((المحلى)) لابن حزم (7/69 رقم 821)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (72/264). ، واختاره ابن حزم
((المحلى)) لابن حزم (7/69 رقم 821). ، والوزير ابن هبيرة
((الإنصاف)) للمرداوي (3/305) ، والشوكاني
قال الشوكاني: (الحق ما ذهب إليه الأولون إن كانت الأشهر المذكورة في قوله: الْحَجُّ أَشْهُرٌ *البقرة: 197* مختصة بالثلاثة المذكورة بنص أو إجماع فإن لم يكن كذلك، فالأشهر جمع شهر، وهو من جموع القلة يتردد ما بين الثلاثة إلى العشرة، والثلاثة هي المتيقنة، فيجب الوقوف عندها). ((تفسير فتح القدير)) (1/408، 409). المواقيت الزمانية والمكانية |. ، وابن عثيمين
قال ابن عثيمين: (الصواب ما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله من أن أشهر الحج ثلاثة، كما هو ظاهر القرآن، شوال، وذو القعدة، وذو الحجة). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (21/380)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/55، 56)..
أولاً: من الكتاب:
قال الله تعالى الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة: 197].
فريضة الحج من أركان الإسلام الأساسية، خصها سبحانه بزمان معين ومكان محدد، فجعل زمانها أشهر الحج، قال تعالى: { الحج أشهر معلومات} ( البقرة:197) وجعل مكانها مكة المكرمة البلد الحرام، قال تعالى: { جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس} (المائدة:97) وأقام مواقيت مكانية ليحرم عندها من قصد البيت حاجًا أو معتمرًا. وقد أوضح الرسول صلى الله عليه وسلم تلك الأماكن بشكل مفصل ومحدد، فجعل لكل جهة من الجهات ميقاتًا للإحرام. فجعل لأهل المدينة المنورة - وهي جهة شمال البيت الحرام - ميقات ذي الحليفة، والحليفة تصغير الحَلفاة، واحدة الحلفاء، وهو نبات معروف، وسمي المكان بذي الحليفة لكثرة ذلك النبات فيه؛ وهو أبعد المواقيت عن مكة، إذ يبعد عنها أربعمائة كيلو مترٍ تقريبًا؛ ويعرف اليوم بأبيار علي. أما ميقات أهل المغرب ومصر و السودان وعموم أفريقيا فهو "الجحفة" وهي قرية قديمة اجتحفها السيل وجرفها فزالت، وحل بها الوباء الذي دعا النبي صلى الله عليه وسلم أن ينقله من المدينة إلى الجحفة في قوله: ( اللهم انقل حُمَّاها - أي حُمَّى المدينة - إلى الجحفة) رواه البخاري. لأنها كانت بلاد كفر، ولما خربت الجحفة وصارت مكانًا غير مناسب للحجاج، اتخذ الناس بدلها ميقات رابغ، ومنه يُحرم الحجيج اليوم، وهو أبعد من الجحفة قليلاً عن مكة، ويبعد عنها مسافة ثلاثة وثمانين ومائة كيلو متر تقريبًا.