تاريخ النشر: الأربعاء 28 رجب 1440 هـ - 3-4-2019 م التقييم: رقم الفتوى: 395188 30678 0 23 السؤال قرأت كثيرًا عن صيغ الاستعاذة من الشيطان الرجيم، ولا أدري أيها أصح، وخصوصًا أني سمعت من يقول: إن "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، ليس عليها إجماع، وإن "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه، ونفخه، ونفثه" هي الأصح، فما الحكم؟ جزاكم الله خيرًا. الإجابــة الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد: فقد ورد في الاستعاذة من الشيطان عدة صيغ، وكلها مشروعة، لا فرق بينها في أصل المشروعية، وأشهر الألفاظ: قول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم". ويدل عليه حديث سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ ، قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ، وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغْضَبًا، قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً، لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ". متفق عليه. قال القرطبي في تفسيره: "أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ"، وَهَذَا اللَّفْظُ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنَ العلماء في التعوذ؛ لأنه لَفْظُ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى.. اهــ.
و- الصيغة السادسة: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم. لما رواه عبدالله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل المسجد قال: « أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم » [32]. وهناك صيغ أخرى رُويت عن بعض القرَّاء، وبعض أهل العلم. منهـــا: أعوذ بالله العظيم، من الشيطان الرجيم [33]. ومنها: أعوذ بالله العظيم، السميع العليم، من الشيطان الرجيم [34]. ومنها: أعوذ بالله العظيم، من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم [35]. ومنها: أعوذ بالله السميع العليم، من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم [36]. ومنها: أستعيذ بالله، أو نستعيذ بالله، من الشيطان الرجيم [37]. ومنها: أعوذ بالله القوي، من الشيطان الغوي [38]. ومنها: أعوذ بالله المجيد، من الشيطان المريد [39]. ومنها: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وأستفتح الله وهو خير الفاتحين [40]. ومنها: أعوذ بالله السميع الرحمن الرحيم، من الشيطان الرجيم، وأعوذ بك رب أن يحضرون، أو يدخلوا بيتي الذي يؤويني [41]. ومنها: رب أعوذ بك من همزات الشياطين، وأعوذ بك رب أن يحضرون، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم [42].
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم - YouTube
ومثله قول ابن عطية في المحرر الوجيز: وأما لفظ الاستعاذة، فالذي عليه جمهور الناس هو لفظ كتاب الله تعالى: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم». ومن الألفاظ الواردة في الاستعاذة: ما جاء في حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ، كَبَّرَ، ثُمَّ يَقُولُ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرَكَ»، ثُمَّ يَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ثَلَاثًا، ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا» ثَلَاثًا، «أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ، وَنَفْخِهِ، وَنَفْثِهِ ». رواه أبو داود، و الترمذي، وغيرهما. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة: وكيف ما استعاذ بما روي، فقد أحسن, مثل أن يقول: «أَعُوذُ بِاللهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ, مِنْ هَمْزِهِ، وَنَفْخِهِ، وَنَفْثِهِ» وهمزه: الموتة, وهي الصرع. ونفخه: الكبر، والخيلاء. ونفثه: الشعر، والأغاني الكاذبة. وقال النووي في المجموع: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ، وَأَصْحَابُنَا: يَحْصُلُ التَّعَوُّذُ بِكُلِّ مَا اشْتَمَلَ عَلَى الِاسْتِعَاذَةِ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ، لَكِنَّ أَفْضَلَهُ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ.
المفردات: أعوذ: أي ألتجئ وأتحصّن ((لأن لفظ (عاذ) وما تصرّف منه يدل على الحرز والتحصّن والنجاة، وحقيقة معناه: الهروب من شيء تخافه إلى من يعصمك منه))( [12]). همزات: جمع هَمْزَ: والهمز في اللغة: النخس والدفع( [13])، والمقصود هنا: وساوس الشياطين، وجميع إصاباتهم وآذاهم لبني آدم. الشرح: خلق اللَّه سبحانه وتعالى بحكمته الشرّ في هذه الدار، وخلق أعظم الشرّ، ومنبعه، وأصله، وأعظم أسبابه، وهو الشيطان الرجيم، تتسامى في ذلك الحكم العظيمة، من الابتلاءات المتنوعة الكثيرة، فيزداد الذين اهتدوا هدى، ويضل اللَّه الظالمين بضلالهم. فلما كانوا يروننا ولا نراهم كما قال تعالى: ﴿ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ﴾( [14]) أمرنا بالاستعاذة بربنا جل جلاله الذي يراهم ولا يرونه أن يقينا هذا الشرّ الخطير. ﴿ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ ﴾: أي اسأل اللَّه تعالى أن يعصمك، ويحميك بجنابه العظيم؛ لما له من الأسماء الحسنى، والصفات العُلا الجليلة. ﴿ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ ﴾: ((همزاتهم: دفعهم الوساس، والإغواء في القلب))( [15])، وجمعهم دلالة على كثرتها وتنوّعها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من أنواع شرور الشيطان كلِّها: (( أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ: مِنْ نَفْخِهِ، وَنَفْثِهِ، وَهَمْزِه ِ)) ثم فسر هذه المعاني بعض رواة الحديث فقال: (( نَفْثُهُ: الشِّعْرُ، وَنَفْخُهُ: الْكِبْرُ، وَهَمْزُهُ: الْمُوتَةُ))( [16])، والموتة هي تشبه الجنون، لكن الذي ((يظهر: أن همزات الشياطين إذا أُفردت دخل فيها جميع إصابتهم لابن آدم، وإذا قُرنت بالنفخ والنفث كان نوعاً خاصاً))( [17]).
( [8]) انظر: الدعاء ومنزلته في العقيدة، 1/ 86- 88، و1/ 146- 159. ( [9]) سنن ابن ماجه، كتاب الدعاء، باب الجوامع من الدعاء، برقم 3846، مسند أحمد، 42/ 67، برقم 25137، الأدب المفرد للبخاري، ص 178، برقم 654، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد، برقم 498، والأرناؤوط في تعليقه على المسند، 42/ 67. ( [10]) سورة الجن، الآية: 6. ( [11]) فقه الأدعية، 4/ 499- 500. ( [12]) بدائع الفوائد، 2/ 200. ( [13]) تفسير القرطبي، 6/ 8452. ( [14]) سورة الأعراف، الآية 27. ( [15]) إغاثة اللهفان، 1/ 154.
تضمنت هذه الاستعاذة الكثير من الفوا ئد المهمّة، منها: 1- أن العاصم على الإطلاق هو اللَّه تعالى من كل شيء. 2- أنه كلما كان المطلوب مهماً، كان من حسن الدعاء المبالغة في التضرّع، حيث كُرّر التوسل بالربوبية. 3- أنه كما يتوسل بربوبيّة اللَّه بالطلب، كذلك يتوسل بها في الاستعاذة. 4- شدّة خطورة الشيطان على بني آدم؛ لإنه مترصِّدٌ له في أحواله كلها. ( [1]) سورة المؤمنون، الآيتان: 97- 98. ( [2]) سورة آل عمران، الآية: 193. ( [3]) سورة الأنبياء، الآية: 86. ( [4]) سورة القصص، الآية: 24. ( [5]) البخاري، كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام، برقم 834، مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، برقم 2705. ( [6]) مسلم، كتاب السلام، باب استحباب وضع يده على موضع الألم مع الدعاء، برقم 2202، وابن ماجه، كتاب الطب، باب ما عَوَّذ به النبي r وما عُوِّذ به، برقم 3522، واللفظ له. ( [7]) أحمد، 16/ 147، برقم 10180، والترمذي، كتاب الدعوات، باب ما جاء في جامع الدعوات عن رسول اللَّه r ، برقم 3494، والنسائي، كتاب السهو، نوع آخر، برقم 1310، والبيهقي في الكبرى، 2/ 154، برقم 2998، والحاكم، 1/ 533، والبزار، 2/ 175، وقال محققو مسند الإمام أحمد، 16/ 147: (( إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير محمد بن أبي عائشة، فمن رجال مسلم)).