قال النووي رحمه الله:" قال القاضي: وظاهر الحديث العموم، وأن الإسلام بدأ في آحاد الناس وقلة، ثم انتشر وظهر، ثم سيلحقه النقص والإخلال حتى لا يبقى إلا في آحاد وقلة أيضاً " [انظر شرح النووي لمسلم 2/ 354]. الفائدة الثانية: الحديث دليل على علم من أعلام النبوة، وآية من آيات النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء سيحدث في المستقبل وهو غربة الإسلام. الفائدة الثالثة: الحديث دليل على ما سيؤول إليه حال الإسلام من الغربة لقوله: " وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبا " واختلف في معنى الغربة التي ستكون. فقيل: المراد آخر الزمان تشتد المحن على المسلمين فيفرون بأديانهم، ويغتربون عن أوطانهم كما فعل المهاجرون، وتقدم ذلك في كلام القرطبي رحمه الله. وقيل: إن الإسلام سيلحقه النقص والقلة حتى لا يكون إلا في آحاد الناس، وتقدم في كلام القاضي عياض - رحمه الله -. وقيل: إن المراد أنه كما بدأ الإسلام غريباً لا يُعرف ثم ظهر، فكذلك ستعود الغربة إليه بحيث لا يعرفه إلا قلة ثم يظهر. بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا. وقيل: المراد به آخر الزمان بعد الدجال ويأجوج ومأجوج عند قرب الساعة، حيث لا يبقى على الإسلام إلا قليل يبعث الله ريحاً تقبض روح كل مؤمن ومؤمنة، ثم تقوم القيامة، وذكر القولين الأخيرين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال:" وقوله صلى الله عليه وسلم:" وَثُم يَعُودُ غَرِيبا كَمَا بَدَأَ " يحتمل شيئين... [ثم ذكر القولين السابقين إلى أن قال]... فأما بقاء الإسلام غريباً ذليلاً في الأرض كلها قبل الساعة فلا يكون هذا" أ.
وقد بدأ المقطعان الأول والثاني بعنوان القصيدة للدلالة التي يريدها الشاعر المتمثلة في غربة الإسلام الذي كان جلياً في عهد الرسول – صلى لله عليه وسلم- وهما يمثلان ظاهرياً جزءاً من النسيج العام للقصيدة على الرغم من التقائهما في المعنى العام للنص الأصلي. وتحدد مفهوم الخطاب منذ البيت الأول: بدأ الإسلام غريباً ، فالقارئ للأدب العربي لا يحتاج إلى كبير عناء ليدرك أن المخاطب الذي يتمظهر في حال الأمة العربية. دراسة تحليل قصيدة (بدأ الإسلام غريباً ) بنيوياً للشاعر الأردني حيدر محمود. ونلاحظ حضور ثنائية ضدية في القصيدة (الحرية /الغربة) ويبدو هذا الحضور قوياً على الخصوص في الامتداد الرمزي المحوري لهذه الثنائية: فالأبيات تتضمن عناصر ومؤشرات لهاتين الثنائية، فالإسلام منبع الحرية. والقصيدة تدور في فلك الثنائية بين الغربة والحرية، فالغربة متمثلة في دور الإسلام عندما أصبح ضعيفا لا يكاد يسمع صوته، والحرية متمثلة في الدور التي تقوم به الأمة العربية في ضياع هيبتها وأصبحت مثل الغربب لا تملك الحرية التي يطلبها شعبها، وأصبحت حبيسة الأوغاد والأحقاد. وإذا ما قارنا النسقين نجد أن النسق الأول يحتل مساحة أكبر من النسق الثاني الخاص بالحالة العربية.
وفي آخر الزمان سيقل عددهم بسبب غزو الأفكار وكثرة الآراء والمذاهب المُنْحِرفة وتحكم المادية في النفوس وغَلَبَة أهل البغي والفساد على البلاد الإسلامية… ومحاولة تقليل عددهم بالقتل أو التجويع أو بوسائل أخرى حتى يكون عددهم قليلاً جدًا بالنسبة إلى غيرهم من أصحاب الأديان والمذاهب الأخرى وبسبب تراخي المسلمين عن التمسُّك بدينهم لعدم فهمهم له فهمًا صحيحًا يسايرون به رَكْبَ التطور، ولعدم غَيْرَتِهِم عليه والقناعة به أمام المُغريات أو الضواغط المُحيطة بهم. والغُرباء في أول الزمان وآخره لهم منزلة عالية عند الله؛ لأنهم تمسكوا بدينهم ولم ينزلقوا كما انزلق غيرهم رغَبًا أو رهبًا، وهو معنى "فطُوبَى للغُرَبَاء" أي العاقبة الطيبة لهم عند الله؛ لأنهم في شجاعتهم وقوتهم كالقابضين على الجَمر، وفي إصلاحهم ما أفسده الناس من الدين أبطال مغاوير في ميدان الجهاد، يعانون ويقاسون مُحْتَسبين أجرهم عند الله سبحانه. الغُرباء في أول الزمان وآخره لهم منزلة عالية عند الله؛ لأنهم تمسكوا بدينهم ولم ينزلقوا كما انزلق غيرهم رغَبًا أو رهبًا، وهو معنى "فطُوبَى للغُرَبَاء" أي العاقبة الطيبة لهم عند الله وقد أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن هؤلاء الغرباء في آخر الزمان بقوله: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله".
وسيكون قريبًا إن شاء الله انتشار الدعاة إليه والمصلحين وسيكون قريبًا دخول الناس في دين الله أفواجًا كما دخلوا في أول الإسلام أفواجًا، ولهذا أسباب وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بما يدل على ذلك في أحاديث كثيرة، وسوف يتحقق هذا بكل معنى في عهد عيسى عليه الصلاة والسلام إذا نزل من السماء وقتل الدجال، وحكم بين الناس بالإسلام ولم يقبل إلا الإسلام أو السيف، أخبر النبي ﷺ أن الله جل وعلا يهلك في زمانه الأديان كلها ويستقيم الإسلام وتكون العبادة لله وحده والسجدة لله وحده في الأرض.
ومن فضائل الغرباء المستمسكين بالدين آخر الزمان ما يلي: أولاً: طوبى لهم كما في حديث الباب. ثانياً: للعامل منهم أجر خمسين من الصحابة رضي الله عنهم. ويدل على ذلك: حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم:" فإن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله، قلت: يا رسول الله أجر خمسين منهم؟ قال: أجر خمسين منكم" رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني (صحيح الترغيب: 3172). شرح حديث: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً). قال ابن القيم رحمه الله:" وهذا الأجر العظيم إنما هولغربته بين الناس، والتمسك بالسنة بين ظلمات أهوائهم وآرائهم" [مدارج السالكين 3 / 199]. ثالثاً: أنهم هم الطائفة المنصورة. ويدل على ذلك: حديث ثوبان رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم:" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك" رواه مسلم، وعنة جابر رضي الله عنه مرفوعاً:" لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة" رواه مسلم. رابعاً: أن لهم فضل العبادة زمن الفتن، وهو كهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ويدل على ذلك: حديث معقل بن يسار رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " عبادة في الهرج كهجرة إلي" رواه مسلم.
: أولا – الأسلام هو ليس الحل لأنه بات غريبا ، بل أن " القراءة الحداثوية " للنصوص / أنزلت أو كتبت أو أوحى بها.. سمها ما شئت هي ما يجب أن تكون الحل ، لأن أسلام صدر الرسالة المحمدية لا يمت بصلة للزمن الحالي ، خاصة بالنسبة للتحضر المجتمعي / مثلا ، وما يضم من عادات وتقاليد وأسلوب حياة بكل تفاصيلها.. فهل من الممكن تطبيق ملك اليمين الأن ، وهل من الأنسانية تشريع سوق لبيع الجواري والسبايا ، وهل من العادي أن تدخل الطبيبة لغرفة العمليات وهي منقبة!
الغرباء قسمان: أحدهما من يصلح نفسه عند فساد الناس والثاني من يصلح ما أفسد الناس من السنة وهو أعلى القسمين وهو أفضلهما. الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.