لما كانت أنواع البديع التي قننها علماؤه ووضعوا لكل منها مصطلحه وشرطه مما يصعب على الطالب أن يلم بها جميعاً، فقد اعتنى المؤلف "محمود المراغي" بوضع كتابه الذي نقلب صفحاته والمعنون "بعلم البديع"، وقد اقتصر منه على قرض أهم أنواع هذا العلم في غير إيجاز ممل، لا إسهاب ممل، مقدماً له بتعريف علم البديع ورواده وهم علمائه، ومشيراً إلى مواضع بعض أنواعه في كلام العرب القدماء والمحدثين بالنسبة لهؤلاء الرواد، وحتى يتيح المؤلف للطالب أن يتصل بتراثه، فقد عني بتذيل ما تم تقديمه من أنواع البديع، ببعض صفحات كتاب عالم من علماء البلاغة. وإن لم يكن من روادها-وهو الخطيب القزويني في كتابه الموسوم بـ"الإيضاح في علوم البلاغة".
[٥] الطباق المجازي هو ما كان طرفاه لفظين مُتضادين، ولكنّهما غير حقيقيين بل مجازيين، وأن يؤتى بألفاظ لا تدلّ على معناها الحقيقي وإنّما استُخدمت مجازًا، وقد سمّاه قدامة بن جعفر بطباق التكافؤ، ومن الأمثلة على هذا الطباق ما يلي: [٥] قال الله سبحانه وتعالى: (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ). [١٢] إنّ الطّباق في الآية الكريمة السابقة هو طباق مجازي، فهو لم يدلّ في الحقيقة على معناه، بل ثمّة معنى آخر خلف اللّفظ المَكتوب، فالطباق بين كلمتي (ميتًا، وأحييناه)، وبين كلمتي (نورًا وظلمات)، هو في الحقيقة مقصود به الهدى والضلال، فالضالّ مثله كما الميّت في الظلام، والهدى هو كما الحياة في العيش والنور. [٥] الطباق المعنوي هو من أبسط أنواع الطباق، إذ إنه طباق يُفهم من خلال المعنى، وهذا الطباق هو ما كانت المُقابلة فيه بين الشيء وضدّه في المعنى وليس في اللفظ، ومن الأمثلة على ذلك: [٥] قال الله سبحانه وتعالى: (قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ، قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ).
الحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرًا طيبًا، والصلاة على مَن أُوتي جوامع الكلم، خير مَن نطق بالضاد، أفصح العرب لغة، وأعظمهم بيانًا وحجة، سيدنا محمد وسلم تسليمًا كثيرًا، وبعد: فالبلاغة هي مُرتقَى علوم اللغة وأشرفها، وبها يُعلم غثُّ الكلام من سمينه، وقد أجاد علماؤنا العرب في تصنيف وترتيب علومها، فوضعوها على ثلاثة علوم مرتبة ترتيبًا تصاعديًّا بحسب صياغة الجملة وسبك المعنى وجودة الأداء، وهذه العلوم - على الترتيب - هي: علم المعاني، وعلم البيان، وعلم البديع. علم المعاني علم البيان علم البديع. أولا: مفهوم علم البديع: قال ابن منظور المصري: « ( والبديع) والبِدْع: الشيء الذي يكون أولًا. والبديع: المحدَث العجيب، والمبدَع. والبديع:من أسماء الله تعالى لإبداعه الأشياء وإحداثه إياها وهو البديع الأول قبل كل شيء، ويجوز أن يكون بمعنى مبدِع أو مِنْ بدع الخلق أي بدأه، والله تعالى كما قال سبحانه في محكم كتابه: ﴿ بَدِيْعُ السَّمَوَاتِ والْأرْضِ ﴾ [البقرة: 17]؛ أي: خالقها ومبدِعها فهو سبحانه الخالق المخترِع لا عن مثال سابق » [1]. وذُكِر في المعجم الوسيط: "أن ( البديع) هو اسم الفاعل والمفعول مِنْ بدعه، بدعًا: أنشأه على غير مثال سابق، والبديع جمعه بدائع، مما بلغ الغاية في بابه، والبديع: علم يعرف به وجوه تحسين الكلام" [2].
[٧] مقابلة اثنين باثنين، لفظة الليل تقابل النهار، ولفظة لباسا تقابل معاشا. قال أبو تمام: يا أمّة كان قبح الجود يسخطها دهرًا فأصبح حُسن العدل يُرضيها قال جرير: وباسطُ خيرٍ فيكم بيمينه وقابضُ شرٍّ عنكم بشماله كما أنّ لك حقوقًا، فإن عليكَ واجبات. قال تعالى: "لا يُكلّف الله نفسًا إلا وسعها، لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت". [٨] بإحسانك إلى الناس، تزيد محبتك وتُقلّل مُبغضيك. التدريب الثالث استخدم الألفاظ الآتية لتكوين جمل مقابلة كما في المثال: سواد الليل/ بياض النهار: ولي في سواد الليل محطاتُ راحةٍ واسترخاء، ولي في بياض النهار محطات حركة وتعب. المرغوب فيه/ المرغوب عنه. باسط خير باليمين/ وقابض شر بالشمال. الصديق، العدو، قريب، بعيد، يضيء، ويطفئ. الإنفاق، الإقتار، أعطى، منعَ، كثُر المال، قلّ المال. المراجع ↑ عبد العزيز عتيق، علم البديع ، صفحة 8-7. تعريف علم البديع في اللغة - ملزمتي. بتصرّف. ↑ أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع ، صفحة 6. ↑ سورة الليل، آية:10-5 ↑ جامعة المدينة العالمية، كتاب البلاغة البيان والبديع ، صفحة 398-396. ↑ سورة التوبة، آية:82 ↑ سورة الأعراف، آية:157 ↑ سورة النبأ ، آية:11-10 ↑ سورة البقرة، آية:286 هل كان المقال مفيداً؟ نعم لا لقد قمت بتقييم هذا المقال سابقاً ✕ رائع!
[٣] لفظة أَعطى ضدّ بَخِلَ، واتّقى ضدّ استَغنى، وصَدّق بالحُسنى ضدّ كذّب بالحُسنى، وفسَنُيسره لليُسرى ضدّ فسنيُسره للعُسرى"، ومن هنا تحقّق معنى المقابلة بالإتيان بالمعاني وما يُقابلها على التّرتيب. قال أحدُ البُلَغاء: "كَدَر الجماعةِ خيرٌ من صفو الفُرقَة". لفظة كَدَر تُقابِل لفظة صفو، ولفظة الجماعة تُقابل لفظة الفُرقَة، وقد أتت الألفاظ متقابلة على الترتيب. أنواع المُقابلة والمقابلة تُقسم إلى أربعة أقسام توضحها الأمثلة في الجدول الآتي: [٤] نــــــوع المــــقابــــلة تـــــــــــــــــــــــــــوضــــــــــــيــــــــح المــــــــــــــــــــثال مُقابلة اثنين باثنين قال تعالى: "فليضحكوا قليلًا، وليبكوا كثيرًا، جزاءً بما كانوا يكسبون" [٥] ، في الجملة السابقة مقابلة الضحك والبكاء، والقلّة والكثرة على الترتيب، لذلك فإن هذا النوع من المقابلة هو مقابلة اثنين باثنين. مقابلة ثلاثة بثلاثة قال تعالى: "ويحلّ لهم الطيّبات ويُحرّم عليهم الخبائث" [٦] ، ففي هذه الآية مقابلة بين يحلّ ويُحرّم، ولهم وعليهم، والطيبات والخبائث، لذلك فإن هذا النوع من المقابلة مقابلة ثلاثة بثلاثة استنادًا إلى العدد المذكور. مقابلة أربعة بأربعة قال أبو بكر الصديق في وصيته عند الموت: "هذا ما أوصى به أبو بكر عند آخر عهده بالدنيا خارجًا منها، وأول عهده بالآخرة داخلًا فيها"، فالمقابلة بين كلمات أربعة على الترتيب آخر وأول، والدنيا والآخرة، وداخلًا وخارجًا، ومنها وفيها، ولما كانت المقابلة بين أربعة ألفاظ كانت المقابلة أربعة بأربعة.