فعن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال: قال لي رجاء بن حيوة: "ما أكمل مروءة أبيك! سمرت عنده، فعشي السراج، فقال لي: ما ترى السراج قد عشي؟ قلت بلى. وإلى جانبه وصيف راقد، قلت: أفلا أنبهه؟ قال: لا، دعه يرقد، قلت: أفلا أقوم أنا؟ قال: لا، ليس من مروءة الرجل استخدامه ضيفه. قال: فوضع رداءه، ثمّ قام إلى بطة زيت معلّقة فأخذها، فأصلح السراج، ثمّ ردّها في موضعها، ثمّ رجع وقال: قمتُ وأنا عمر بن عبد العزيز، ورجعتُ وأنا عمر بن عبد العزيز". كان رضي الله عنه يتّصف بالحلم والأناة، والتثبّت والتروّي، والتمهّل والتفكّر، والابتعاد عن الغضب إلّا إذا انتُهِكَت محارم الله. قصة عمر بن عبد العزيز كاملة. كان يمقت الكذب وينفر منه. فنشأ على الصدق، وما اجترح كذبةً منذ أصبح يميّز الخطأ من الصواب. علمه ونشأته العلمية: حُبّب إلى عمر بن عبد العزيز العِلْمُ منذ الصغر، وجالسَ كبار العلماء وأعيان الفقهاء والمحدّثين. يقول رضي الله عنه: "لقد رأيتني وأنا بالمدينة غلام مع الغلمان، ثمّ تاقت نفسي إلى العلم، إلى العربيّة فالشعر، فأصبتُ منه حاجتي". أشياخه وبعض أعيانهم: أسند رضي الله عنه عن عدّة من الصحابة وكبار التابعين: فمن الصحابة: أنس بن مالك، وسمع منه، وعبد الله بن عمر بن الخطّاب، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وعمر بن أبي سلمة المخزومي، والسائب بن يزيد، ويوسف بن عبد الله بن سلام.
سئل الشيخ الإمام العالم العامل الحبر الكامل شيخ الإسلام ومفتي الأنام تقي الدين ابن تيمية أيده الله وزاده من فضله العظيم عن الصبر الجميل و الصفح الجميل والهجر الجميل وما أقسام التقوى والصبر الذي عليه الناس؟ فأجاب رحمه الله: الحمد لله أما بعد فإن الله أمر نبيه بالهجر الجميل والصفح الجميل والصبر الجميل: فالهجر الجميل: هجر بلا أذى. الصفح الجميل: صفح بلا عتاب.
عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الخليفة الزاهد العادل، الراشد الخامس ، مجدد القرن الثاني ، كان مضرب المثل في الزهد والصلاح والعدل والورع. بويع عمر بالخلافة بعهد من سليمان بن عبد الملك وهو ابن عمه ، فتسلم الخلافة سنة 99 هـ ، ومكث فيها سنتين وخمسة أشهر ، ملأ الأرض فيها عدلاً ورد المظالم إلى أصحابها ، وسلك فيها مسلك الخلفاء الراشدين، وأحيا الله به السنن التي تركت ، وقمع به البدع التي انتشرت. قصة رائعة عن الخليفة عمر بن عبد العزيز. زهده ــ لما تلقى عمر بن عبد العزيز خبر توليته، انصدع قلبه من البكاء، وهو في الصف الأول، فأقامه العلماء على المنبر وهو يرتجف، ويرتعد، وأوقفوه أمام الناس، فأتى ليتحدث فما استطاع أن يتكلم من البكاء، قال لهم: بيعتكم بأعناقكم، لا أريد خلافتكم، فبكى الناس وقالوا: لا نريد إلا أنت، فاندفع يتحدث، فذكر الموت، وذكر لقاء الله، وذكر مصارع الغابرين، حتى بكى من بالمسجد. يقول رجاء بن حيوة: والله لقد كنت أنظر إلى جدران مسجد بني أمية ونحن نبكي، هل تبكي معنا!! ثم نزل، فقربوا له المَراكب والموكب كما كان يفعل بسلفه، قال: لا، إنما أنا رجل من المسلمين، غير أني أكثر المسلمين حِملاً وعبئاً ومسئولية أمام الله، قربوا لي بغلتي فحسب، فركب بغلته، وانطلق إلى البيت، فنزل من قصره، وتصدق بأثاثه ومتاعه على فقراء المسلمين.