{ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} الأمم السابقة واللاحقة، كلهم سيجمعهم الله ليوم لا ريب فيه. { فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} من الشرائع والأعمال، فيثيب أهل الحق والعمل الصالح، ويعاقب أهل الباطل والعمل السيئ. { وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزلَ اللَّهُ} هذه الآية هي التي قيل: إنها ناسخة لقوله: { فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة المائدة - الآية 50. والصحيح: أنها ليست بناسخة، وأن تلك الآية تدل على أنه صلى الله عليه وسلم مخير بين الحكم بينهم وبين عدمه، وذلك لعدم قصدهم بالتحاكم للحق. وهذه الآية تدل على أنه إذا حكم، فإنه يحكم بينهم بما أنزل الله من الكتاب والسنة، وهو القسط الذي تقدم أن الله قال: { وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ} ودل هذا على بيان القسط، وأن مادته هو ما شرعه الله من الأحكام، فإنها المشتملة على غاية العدل والقسط، وما خالف ذلك فهو جور وظلم. { وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} كرر النهي عن اتباع أهوائهم لشدة التحذير منها. ولأن ذلك في مقام الحكم والفتوى، وهو أوسع، وهذا في مقام الحكم وحده، وكلاهما يلزم فيه أن لا يتبع أهواءهم المخالفة للحق، ولهذا قال: { وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} أي: إياك والاغترار بهم، وأن يفتنوك فيصدوك عن بعض ما أنزل الله إليك، فصار اتباع أهوائهم سببا موصلا إلى ترك الحق الواجب، والفرض اتباعه.
وقوله: { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (10) سورة الشورى 4. اللهم حكم فينا كتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك.
( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)أي ومن أعدل من اللَّه، في حكمه، لمن عقل عن اللَّه شرعه، وآمن به، وأيقن، وعلم أن اللَّه أحكم الحاكمين، وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها. فإنه تعالى هو العالم بكل شيء، القادر على كل شيء، العادل في كل شيء). وقال ابن أبي حاتم… عن الحكم يقول: (من حكم بغير حكم اللَّه، فحكم الجاهلية)…. أفحكم الجاهلية يبغون؟ حقيقة سنن الجاهلية والتحذير منها | پایگاه اطلاع رسانی اصلاح. وعن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: « أبغض الناس إلى اللَّه عزّ وجلّ من يبتغي في الإسلام سنّة الجاهلية ». وقال البيضاوي في تفسيره ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ)الذي هو الميل والمداهنة في الحكم. والمراد بالجاهلية الملة الجاهلية، التي هي متابعة الهوى. ( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)هذا الاستفهام لقومٍ يوقنون، فإنهم هم الذين يتدبرون الأمور، ويتحققون الأشياء بأنظارهم، فيعلمون أن لا أحسن حكماً من اللَّه سبحانه وتعالى. ويقول سيّد في الظلال في تفسير الآية: إن معنى الجاهلية يتحدد بهذا النص. فالجاهلية، كما يصفها اللَّه، ويحددها قرآنه، هي حكم البشر للبشر… وإن الجاهلية في هذا النص ليست فترةً من الزمن، ولكنها وضعٌ من الأوضاع.
لقد أمر الله -جل شأنه- جميع الناس أن يرد كل منهم ما لديه من أمانة إلى أهـلها, ثم أوصى سبحانه من وُكلَ إليه الحكمُ في خصومة أو الفصل بين الناس في أمرٍ مَّا أن يحكم بينهم بالعدل سواء كان مُحكَّماً، أو وَليَّ أمر عام أو خاص، ولا عدل إلا ما جاء في كتاب الله أو سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذلك الهدى والنور والصراط المستقيم. يقول الله تعالى: { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (58-59) سورة النساء.