احتلنى السؤال وانشغلت بالإجابة، لأن سؤالًا أكبر يعصف بى وبكثيرين ممن قد يصدق فيهم قول القائل: فى فمى ماء وهل ينطق من فى فيه ماء؟!! ، والسؤال هو هل يمكن عقلًا أو نقلًا وبكل المعايير لبلد يعانى اقتصاديًا مثلما نعانيه أن يفتح الباب بلا حدود لمئات الآلاف من شبابه ورجاله وكهوله كى يكون عملهم هو إقامة شعائر وأداء طقوس وفقط، ثم يكون من تلك الآلاف عدد يسير هو من يستطيع أن يتصدر مجالس العلم من تفسير وحديث وفقه وأصول، وبعدها يكون العدد أكثر ندرة فيمن يستطيعون إعمال العقل وبذل الجهد وإفراغ الوسع لاستنباط الأحكام الفقهية من مظانها الأصلية.. أى يستطيعون الفتوى بشكل ومضمون سليمين؟! كبر مقتا عند الله ان تقولوا مالا تفعلون. لا أريد أن أفصل فى المستوى غير المقبول - حتى لا أستخدم أوصافًا غير مهذبة - للآلاف ممن يحملون شهادات جامعية من كليات أخرى كالآداب والحقوق والاقتصاد والتجارة وغيرها، لأنه إذا كان واردًا أن نتغاضى عن الأمية الهجائية والثقافية والدينية لدى هذا النوع من المتعلمين، فإنه ليس واردًا على الإطلاق أن نقبل الأمية المركبة نفسها ممن يحملون على عاتقهم التصدى لفهم وتذليل فهم المعجزة الكبرى فى اللغة والمعاني، أى القرآن الكريم، وأيضًا يتحملون عبء الارتباط الوثيق بين علوم اللغة و بقية فروع هذا التخصص فى تفسير وحديث أو أصول وفقه!!
كبر مقتًا عند الله.. وصل المهتمون بصحة الإنسان إلى تحديد النسبة المقبولة بين عدد الأطباء وعدد السكان، أى كم ممارسا عاما وكم أخصائيا وكم استشاريا،؟ ووصل مهتمون آخرون بعقل الإنسان إلى تحديد النسبة المقبولة بين عدد المدرسين وبين عدد الطلاب، سواء فى الفصل الواحد خلال مراحل التعليم العام أو المدرجات و«السكاشن» والمعامل فى التعليم الجامعي! وهكذا الحال فى الإرشاد الزراعي، كم مشرفا أو مهندسا لكم فدان.. ؟ وفى المخابز كم مخبزا لكم ألف نسمة.. ؟ ثم مجالات أخرى عديدة إلا مجالًا واحدًا هو الجانب الروحى والعقدى لدى البشر، إذ لم يحدثنا أحد عن كم مسجد أو كنيسة لكم ألف نسمة.. ومن ثم كم خادم مسجد وكم مقيم شعائر وكم إمام وخطيب ومن علاهم فى السلم الوظيفي.. كبر مقتا عند الله ان تقولوا مالا يفعلون. وأيضًا على الجانب الآخر كم شماسًا وكم راهبًا وكم قسًا وكم قمصًا وكم أسقفًا ومطرانًا؟!!.. ومن ثم كم خريجًا يلزم للوفاء بهذه العملية من الحاصلين على الثانوية الأزهرية، ومن خريجى كليات أصول الدين والشريعة والدعوة واللغة العربية، وكليات الدراسات الإسلامية، وكليات الدراسات اللاهوتية.. والأديرة!! ولقد حاولت قبل أن أكتب هذه السطور عبر أصدقائى وزملائى الصحفيين المتخصصين فى الشئون الإسلامية ومتابعة أخبار الأزهر والأوقاف أن أعرف بدقة عدد خريجى الكليات الأزهرية والمعاهد المتصلة بالدعوة والعمل فى دور العبادة سنويًا، لكى أعرف كم خريجًا تدفق إلى سوق العمل فى العشر أو العشرين سنة الفائتة؟ فلم أتمكن إلا من معرفة أعداد تقريبية قدرها من أمدنى بالمعلومة بنحو مائة وستين ألف خريج من تلك الكليات فى السنين العشر المنصرمة!