بالإضافة إلى استحضار كامل أقوال الصلاة وأفعالها، بحيث لا يبقى مكانٌ لوساوس الشيطان والأفكارالرديئة، فالخشوع روح الصلاة والمقصود منها، والصلاة من غير خشوعٍ واستحضارٍ للقلب قد تكون مجزئةً، ولكن أجرها ناقصٌ؛ لأنّ الثواب على ما يعقل القلب من الصلاة. الإعراض عن اللغو من صفات المؤمنين تنزيه النفس، والترفّع عن الكلام الذي لا فائدة فيه ولا خير منه، مصداقاً لقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) ، [٤] وبما أنّهم يجتنبون لغو الحديث، فاجتنابهم للمحرّم من القول أولى. صفات المؤمنين الكاملة : اقرأ - السوق المفتوح. وإذا ملك العبد لسانه ملك أمره، مصداقاً لما رُوي عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حينما أوصى معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قائلاً: (ألا أخبرُكَ بملاكِ ذلِكَ كلِّهِ؟ قُلتُ: بلَى يا رسولَ اللَّهِ، قال: فأخذَ بلِسانِهِ قالَ: كُفَّ عليكَ هذا). [٥] إيتاء الزكاة ومن صفات المؤمنين أنّهم يحافظون على أداء الزكاة على اختلاف أجناس الأموال، ويحافظون كذلك على تزكية أنفسهم من الأخلاق الدنيئة، بتجنّب الأعمال التي تؤدي إلى سُوء الخُلق، وقد ذكر الله تعالى هذه الصفة في سورة المؤمنون حيث قال: (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ).
فيكون ضابطاً للسانه في الحديث بالابتعاد عن كل كلام فيه منكر أو فحشاء، وضابطاً لبقية جوارحه عن البطش والعدوان؛ امتثالًا لأوامر الله عزّ وجل في الابتعاد عن إيذاء الآخرين سواء بالقول أو الفعل. ما هي صفات المؤمنين في القرآن الكريم - ملزمتي. تزكية النفس والمال تشير تزكية النفس إلى أنّ المؤمن يكون مزكّيًا لنفسه ومطهّرًا لها بتعديل سلوكها غير السوي، أو أقواله، أو اعتقاداته، أو أفكاره غير السويّة؛ ليصل في النهاية إلى الفلاح الدنيوي والأخروي لقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} (سورة الشمس: 9-10). في حين أنّ زكاة المال تدل على تطهير المؤمن لأمواله من صفة البخل؛ لأنّ الزكاة لا تنقص من المال بل تزيده بركة وتطهر صاحبه، فعن أبي كبشة الأنماري أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثةٌ أقسِمُ عليْهنَّ وأحدِّثُكم حديثًا فاحفظوهُ قالَ ما نقصَ مالُ عبدٍ من صدقةٍ…" [صحيح الترمذي|خلاصة حكم المحدث: صحيح]. فالمؤمن لا يتغاضى عن حقوق العباد في الحصول على الزكاة من ماله؛ امتثالًا لأوامر الله تعالى بوجوب دفع الزكاة لقوله سبحانه: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} (سورة المؤمنون:4). حفظ الفرج فالأصل أن يحفظ المؤمن فرجه؛ أي لا يسلك أي طريق غير النكاح؛ كالزنا، واللواط، والسحاق، والعادة السريّة، في إشباع شهوته الجنسية التي فطره الله سبحانه وتعالى عليها لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ*إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} (سورة المؤمنون: 5-7).
فالزواج السني إذاً هو للديمومة، والطلاق بيد الرجل، وإتيان الجواري بملك اليمين، فالملك نفسه يعتبر محلاً للنكاح، وهو كالزوجة ماؤه خاص بها لابد من الاستبراء أولاً وأخيراً، ومعنى الاستبراء أن تستبرئ المرأة رحمها بأن تنتظر الجارية قرءاً، والمطلقة قرئين أو ثلاثة، والمتوفى عنها زوجها العدة التي تقضيها حداداً، فإن ظهر الحمل فإلى أن تلد؛ ليستبرئ رحمها ويكون بريئاً من ماء غيره ومن حمل غيره. تفسير قوله تعالى: (فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون)
[٢٠] قال الله -تبارك وتعالى- في الحديث القدسي: (أنا أغْنَى الشُّرَكاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَن عَمِلَ عَمَلًا أشْرَكَ فيه مَعِي غيرِي، تَرَكْتُهُ وشِرْكَهُ). [٢١] فلا يُقبل العمل إن لم يكن خالصاً لله -تعالى- دون سواه، ولا يبتغي منه العبد رياءً ولا سمعةً، وإنما غاية مقصده نيلُ الرضوان، و دخول الجنان. [٢٠] يقومون بالخير مع خشية عدم قبول أعمالهم جاء عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أنهم إلى ربهم راجعون) [٢٢] قَالَتْ عَائِشَةُ: أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا تُقْبَلَ مِنْهُمْ). [٢٣] فالمؤمنون يُصلّون الصلوات، ويعطون الصدقات، ويؤدون الطاعات وهم خائفون ألا تقبل منهم؛ خشية أن يكونوا قد قصّروا بأحد شروطها. قال الحسن: "إِن المؤمن جمع إِحساناً وشفقة، وإِن المنافق جمع إِساءةً وأمناً". [٢٤] المراجع ↑ رواه البغوي، في شرح السنة، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:3/154، حسن.
تفسير قوله تعالى: (والذين هم للزكاة فاعلون) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ [المؤمنون:4]. وكذلك نقول في الزكاة هنا ما قلناه في الآية السابقة في ختم سورة الحج، وهذه الآية مكية كبقية السورة، والزكاة لم تجب في مكة، ولكن فقهاءنا وعلماءنا وسلفنا الصالح من مفسري كتاب الله قالوا: الزكاة كصدقة الزكاة كنفقة الزكاة كعطاء الزكاة كشفقة على الفقير والمسكين والسائل والمحروم وجبت أيضاً في مكة ولم تحد بحد، وما حددت بالنصاب وبالحول وما حددت أنواعها من ذهب وورق وحراثة وتجارة وما إلى ذلك إلا في السنة الثانية من الهجرة. ويمكن أن تفسر الآية مع ذلك أنهم الذين يزكون أنفسهم، أي: يطهرونها من الدنس ومن الشرك والآثام، ولنقل كلمة عامة تعم كل ذلك: وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ [المؤمنون:4] أي: فعلوا الزكاة مالاً وعطاء، وفعلوا الزكاة تطهيراً للنفس، وإزالة لأنجاسها وأرجاسها وآثامها، وذلك من صفات المؤمن التي نوه الله بها في هذه السورة في البداية. تفسير قوله تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون) تفسير قوله تعالى: (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المؤمنون:5-6].
سورة المؤمنون هي السورة الثالثة والعشرون في ترتيب المصحف الشريف البالغ عدد سوره مائةً وأربعة عشر سورة، يبلغ عدد آياتها مائةً وثمانية عشر آية وهي من السور المكيّة وقد نزلت بعد سورة الأنبياء، أمّا في ترتيب القرآن الكريم فتسبقها سورة الحج وتليها سورة النور ، ويرجع سبب تسميتها إلى أنّ الله -جلّ وعلا- افتتح السورة بقوله: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}، [١] وفيما يأتي سيتطرق المقال إلى بيان مقاصد سورة المؤمنون وأسباب نزولها. [٢] أسباب نزول سورة المؤمنون في مستهل الحديث عن مقاصد سورة المؤمنون لا بدّ من ذكر أسباب نزولها، وتُعتبر هذه السورة من السور الطويلة نوعًا ما لذا فإنّ لكلّ باقةٍ من آياتها سبب نزولٍ مستقل، وقد جاء عن أهل السيرة والتفسير أنّ أسباب نزول آيات سورة المؤمنين هي على النحو الآتي: [٣] يعود سبب نزول الآيات الأولى من سورة المؤمنين إلى أنّ النبيّ الكريم وأصحابه كانوا يرفعون وجوههم إلى السماء أثناء الصلاة فنزل قوله تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}، [٤] فأصبح المصلون بعد نزول هذه الآيات ينظرون إلى مكان سجودهم دون التفات.