فاقطع صلتك نهائياً بهذه الفتاة ولا تلتفت إلى رغبتها في رؤيتك دائماً، فإن ذلك ذنب كبير كما ذكرت، واعلم أنك قد ارتكبت حظاً من الزنا بما فعلته. فقد قال صلى الله عليه وسلم: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما السماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه. اظفر بذات الدين - منتدى الكفيل. ومن سعة رحمة الله وفضله أن جعل التوبة تمحو كل هذه الذنوب، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ {التحريم: 8}. وروى ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. واعلم أن خير النساء للزوجية هي من كانت ذات دين، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك... وعليه، فإذا رأيت أن هذه الفتاة يرجى لها أن تتوب مما كانت فيه معك وتحسن توبتها وتستقيم في دينها، فلا بأس بأن تخطبها من أهلها وتتزوجها، وإن رأيت أنها مستمرة في غيها وغير مقلعة عن ذنبها فلا خير لك فيها.
وهناك طرف آخر ينظر إلى المضمون والأخلاقيات والسيرة بين الناس، ولا يولي الهدي الظاهر أدنى اهتمام كمعيار لاختيار الدين. والحق دائمًا وسط بين طرفين، فالمعيار الصحيح للتدين يكون بالأخلاق والسيرة الحسنة بين الناس؛ لأنها هي أساس العشرة، ويعبر عن هذه الأخلاق وهذا التدين الهدي الظاهر الذي ما هو إلا ترجمة عما تعمر به النفس من التدين والخير فلا ننحاز إلى جانب على حساب آخر. ما معنى فاظفر بذات الدين - أجيب. شبهة والرد عليها وقد يظن ظان أن الشرع جعل معيار الاختيار الدين فقط، ولم يهتم بالجمال والمال والنسب، ولكن هذا ليس بصحيح فالنبي صلى الله عليه وسلم في الحديث لم ينفِ الجمال والمال بل جعلهما معياران مهمان ولكن قدم عليهما الدين لأهميته القصوى وخطورته على الاستقرار والسعادة الزوجية، وليبين صلى الله عليه وسلم، أن ما دونه أيسر منه، فلا يتهاون فيه مهما كانت الأسباب. وماذا بعد الكلام؟ 1. اجعل أول معايير اختيارك للزوجة هو الدين، ولا تتساهل في هذا المعيار مهما كان الأمر. 2. لا يكن معيار التدين الوحيد لديك عند اختيار الزوجة هو التزامها بالحجاب الشرعي ـ وإن كان من أهم المعايير ـ ولكن اجعل معه أيضا أخلاقها وسمعتها الطيبة بين أهلها وجيرانها.
ومن كانت هذه صفاتها فإن زوجها ولا شك سيكون في قمة السعادة (وسيرى زوجته منة الله الرائعة التي وهبها الله له لتؤنس حياته بالحب حتى وإن رأى بعض عيوبها فإنه لا يراها ذات أهمية تذكر، بل يرى أن من واجبه أن يغفرها في مقابل الكثير من الخصال الحسنة فيها) [حتى يبقى الحب، محمد محمد بدري، ص(719)] كذلك الزوج الصالح؛ فإن الزواج كالسفينة والزوج قائدها، فلك أن تتخيلى أيتها القارئة أنك سلمت زمام سفينتك لقائد لا يعرف إلا المهالك والأخطار، فأين تذهبين؟! والكثير من الزوجات قد اغتررن ببعض الرجال، وتزوجوهم على وهن دينهم أملًا منهم في استقامتهم، فإذ بهذا الزوج يصر على ترك الصلاة والتقصير في حق الله تعالى؛ فتتحول حياتها إلى كآبة وحزن، فهي بين نار حزنها وألمها لما يفعله الزوج ونار تعلقها وحبها له، وكم الشكاوى التي ترسل بها هذه الصالحات تشكو فيها حالها مع زوجها. عققته قبل أن يعقك: بهذه الكلمات أجاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الرجل الذي يشكو إليه عقوق ابنه؛ فأحضر عمر الولد وأنبه على عقوقه لأبيه ونسيانه لحقوقه فقال الولد: (يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: أن ينتقي أمه ويحسن اسمه ويعلمه الكتاب ـ أي القراءة ـ.